وقال الراغب: إنما كرر * (لا) * فيها على سبيل الإنذار بالواعظ إذا وعظ لأمر فإنه يكرر اللفظ لأجله تعظيما للآمر. قال: وأما تغييره النظم فلما كان قبول وأخذه وقبول الشفاعة ونفعها متلازمة لم يكن بين اتفاق هذه العبارات واختلافها فرق في المعنى.
وقال الإمام فخر الدين: لما كان الناس متفاوتين، فمنهم من يختار أن يشفع فيه مقدما على العدل الذي يخرجه; ومنهم من يختار العدل مقدما على الشفاعة، ذكر سبحانه وتعالى القسمين; فقدم الشفاعة باعتبار طائفة، وقدم العدل باعتبار أخرى.
قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى: الظاهر أنه سبحانه وتعالى إنما نفى قبول الشفاعة لا نفعها، ونفى أصل العدل الذي هو الفداء، وبدأ بالشفاعة لتيسيرها هذا على الطالب أكثر من تحصيل العدل الذي هو الفداء. على ما هو المعروف في دار الدنيا; وفى الآية الثانية أنه لما تقرر زيادة تأكيدها بدأ فيها بالأعظم الذي هو الخلاص بالعدل، وثنى بنفع الشفاعة فقال: * (ولا تنفعها شفاعة) * ولم يقل: لا تقبل منها شفاعة، وإن كان نفى الشفاعة يستلزم نفى قبولها، لأن الشفاعة تكون نافعة غير مقبولة، وتنفع لأغراض: من وعد بخير، وإبدال المشفوع بغيره; فنفى النفع أعم، فلم يكن بين نفى القبول ونفى النفع بالشفاعة تلازم، كما ادعاه الراغب. وكان التقدير بالفداء الذي هو نفى قبول العدل ونفى نفع الشفاعة شيئين مؤكدين لاستقرار ذلك في الآية الثانية.
ومما يدل على أن نفى الشفاعة أمر زائد نفى قبولها أنه سبحانه لما أخبر عن المشركين أخبر بنفي النفع لا بنفي القبول فقال: * (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) *، وقال: * (ولا تنفع الشفاعة عنده) * الآية. وفى الحديث الصحيح أنهم قالوا: يا رسول الله، هل نفعت عمك