النفس الأولى وهي الشفاعة لغيرها. فلما كان المراد في هذه الآية ذكر الشفاعة للمشفوع له أخبر أن الشفاعة غير مقبولة للمشفوع احتقارا له وعدم الاحتفاء به; وهذا الخبر يكون باعثا للسامع في ترك الشفاعة إذا علم أن المشفوع عنده لا يقبل شفاعته، به فيكون التقدير على هذا التفسير: * (لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة) * " لو شفعت "، يعنى: وهم لا يشفعون، فيكون ذلك مؤيسا لهم فيما زعموا أن آباءهم الأنبياء ينفعونهم من غير عمل منهم.
وقوله: * (ولا يؤخذ منها عدل) * إن جعلنا الضمير في * (منها) * راجعا إلى الشافع أيضا فقد جرت العادة أن الشافع إذا أراد أن يدفع إلى المشفوع عنده شيئا ليكون مؤكدا لقبول شفاعته فمن هذا قدم ذكر الشفاعة على دفع العدل; وإن جعلنا الضمير راجعا إلى المشفوع فيه فهو أحرى بالتأخير ليكون الشافع قد أخبره بأن شفاعته قد قبلت، فتقديم العدل ليكون ذلك مؤسسا لحصول مقصود الشفاعة، وهو ثمرتها للمشفوع فيه.
وأما الآية الثانية فالضمير في قوله: * (منها عدل) * راجع إلى النفس الثانية، وهي النفس التي هي صاحبة الجريمة، فلا يقبل منها عدل; لأن العادة بذل العدل من صاحب الجريمة يكون مقدما على الشفاعة فيه; ليكون ذلك أبلغ في تحصيل مقصوده، فناسب ذلك تقديم العدل الذي هو الفدية من المشفوع له على الشفاعة.
ففي هذه الآية بيان أن النفس المطلوبة بجرمها لا يقبل منها عدل عن نفسها، ولا تنفعها شفاعة شافع فيها; وقد بذل العدل للحاجة إلى الشفاعة عند من طلب ذلك منه، ولهذا قال في الأولى: * (يقبل منها شفاعة) * وفى الثانية: * (تنفعها شفاعة) *، لأن الشفاعة إنما تقبل من الشفاع، وتنفع المشفوع له.