إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها " أي بالمصابيح " وما لها من فروج " قال مجاهد يعني من شقوق وقال غيره فتوق وقال غيره صدوع والمعنى متقارب كقوله تبارك وتعالى " الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " أي كليل عن أن يرى عيبا أو نقصا وقوله تبارك وتعالى (والأرض مددناها) أي وسعناها وفرشناها " وألقينا فيها رواسي " وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها " وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج " أي من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع " ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " وقوله بهيج أي حسن المنظر (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) أي ومشاهدة خلق السماوات والأرض وما جعل فيهما من الآيات العظيمة تبصرة ودلالة وذكرى لكل عبد منيب أي خاضع خائف وجل رجاع إلى الله عز وجل. وقوله تعالى (ونزلنا من السماء ماء مباركا) أي نافعا " فأنبتنا به جنات " أي حدائق من بساتين ونحوها " وحب الحصيد " وهو الزرع الذي راد لحبه وادخاره (والنخل باسقات) أي طوال شاهقات قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وغيرهم الباسقات الطوال " لها طلع نضيد " أي منضود (رزقا للعباد) أي للخلق " وأحيينا به بلدة ميتا " وهي الأرض التي كانت هامدة فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك مما يحار الطرف في حسنها وذلك بعدما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك كذلك يحيى الله الموتى وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث كقوله عز وجل " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ". وقوله تعالى " أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شئ قدير " وقال سبحانه وتعالى " ومن آياته أنك نرى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ قدير ".
كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود (12) وعاد وفرعون وإخوان لوط (13) وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد (14) أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد (15) يقول تعالى متهددا لكفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبلهم من النقمات والعذاب الأليم في الدنيا كقوم نوح وما عذبهم الله تعالى به من الغرق العام لجميع أهل الأرض وأصحاب الرس وقد تقدمت قصتهم في سورة الفرقان " وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط " وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ومعاملتها من الغور وكيف خسف الله تعالى بهم الأرض وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق (وأصحاب الأيكة) وهم قوم شعيب عليه الصلاة والسلام " وقوم تبع " وهو اليماني وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والشكر " كل كذب الرسل " أي كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسولهم ومن كذب رسولا فكأنما كذب جميع الرسل كقوله جل وعلا " كذبت قوم نوح المرسلين " وإنما جاءهم رسول واحد فهم في نفس الامر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم " فحق وعيد " أي فحق عليهم ما أوعدهم الله تعالى على التكذيب من العذاب والنكال فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك وقوله تعالى (أفعيينا بالخلق الأول) أي أفأعجزنا ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإعادة؟ " بل هم في لبس من خلق جديد " والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا والإعادة أسهل منه كما قال عز وجل " وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " وقال الله جل جلاله " وضرب لنا مثلا ونسي