مولى لكم " ثم قال سبحانه وتعالى " إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار " أي يوم القيامة " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام " أي في دنياهم يتمتعون بها ويأكلون منها كأكل الانعام خضما وقضما وليس لهم همة إلا في ذلك ولهذا ثبت في الصحيح " المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء " ثم قال تعالى " والنار مثوى لهم " أي يوم جزائهم وقوله عز وجل " وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك " يعني مكة " أهلكناهم فلا ناصر لهم " وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل وخاتم الأنبياء فإذا كان الله عز وجل قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والاخرى؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة فإن العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم " يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون " وقوله تعالى " من قريتك التي أخرجتك " أي الذين أخرجوك من بين أظهرهم وقال ابن أبي حاتم ذكر أبي عن محمد بن عبد الاعلى عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار وأتاه فالتفت إلى مكة وقال " أنت أحب بلاد الله إلى الله وأنت أحب بلاد الله إلي ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك " فأعدي الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم " وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ".
أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم (14) مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم (15) يقول تعالى " أفمن كان على بينة من ربه " أي على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة " كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم " أي ليس هذا كهذا كقوله تعالى " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " وكقوله تعالى " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " ثم قال عز وجل " مثل الجنة التي وعد المتقون " قال عكرمة " مثل الجنة " أي نعتها " فيها أنهار من ماء غير آسن " قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وقتادة يعني غر متغير وقال قتادة والضحاك وعطاء الخراساني غير منتن والعرب تقول أسن الماء إذا تغير ريحه وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم غير آسن يعني الصافي الذي لا كدر فيه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك " وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " أي بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة وفي حديث مرفوع " لم يخرج من ضروع الماشية " " وأنهار من خمر لذة للشاربين " أي ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل " لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " " لا يصدعون عنها ولا ينزفون " " بيضاء لذة للشاربين " وفي حديث مرفوع " لم يعصرها الرجال بأقدامهم " " وأنهار من عسل مصفى " أي وهو في غاية الصفاء وحسن اللون والطعم والريح وفي حديث مرفوع " لم يخرج من