وظواهرهم " وآمنوا بما نزل على محمد " عطف خاص على عام وهو دليل على أنه شرط في صحة الايمان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم وقوله تبارك وتعالى " وهو الحق من ربهم " جملة معترضة حسنة ولهذا قال جل جلاله " كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم " قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي أمرهم وقال مجاهد: شأنهم وقال قتادة وابن زيد حالهم والكل متقارب وقد جاء في حديث تشميت العاطس " يهديكم الله ويصلح بالكم " ثم قال عز وجل " ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل " أي إنما أبطلنا أعمال الكفار وتجاوزنا عن سيئات الأبرار وأصلحنا شؤونهم لان الذين كفروا اتبعوا الباطل أي اختاروا الباطل على الحق " وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم " أي يبين لهم مآل أعمالهم وما يصيرون إليه في معادهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (4) سيهديهم ويصلح بالهم (5) ويدخلهم الجنة عرفها لهم (6) يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (7) والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم (8) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم (9) يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " أي إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف " حتى إذا أثخنتموهم " أي أهلكتموهم قتلا " فشدوا الوثاق " الأسارى الذين تأسرونهم ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه والظاهر أن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء والتقليل من القتل يومئذ فقال " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الآية المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه منسوخة بقوله تعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " الآية رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقاله قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وقال الآخرون وهم الأكثرون ليست بمنسوخة ثم قال بعضهم إنما الامام مخير بين المن على الأسير ومفاداته فقط ولا يجوز له قتله وقال آخرون منهم بل له أن يقتله إن شاء لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر وقال ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له " ما عندك يا ثمامة؟ " فقال إن تقتل تقتل ذا دم وإن تمنن تمنن على شاكر وإن كنت تريد المال فاسأل تعط منه ما شئت وزاد الشافعي رحمة الله عليه فقال الامام مخير بين قتله أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه أيضا وهذه المسألة محررة في علم الفروع وقد دللنا على ذلك في كتابنا الاحكام ولله سبحانه وتعالى الحمد والمنة وقوله عز وجل " حتى تضع الحرب أوزارها " قال مجاهد حتى ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال " وقال الإمام أحمد حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل