نعيم من حديث الليث بن سعد عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عمه عن معاذ بن عبد الله بن معمر قال كنت جالسا عند عثمان بن عفان رضي الله عنه فجاء رجل فقال يا أمير المؤمنين إني كنت بفلاة من الأرض فذكر أنه رأى ثعبانين اقتتلا ثم قتل أحدهما الآخر قال فذهبت إلى المعترك فوجدت حياة كثيرة مقتولة وإذ ينفح من بعضها ريح المسك فجعلت أشمها واحدة واحدة حتى وجدت ذلك من حية صفراء رقيقة فلففتها في عمامتي ودفنتها فبينا أنا أمشي إذ ناداني مناد: يا عبد الله لقد هديت هذان حيان من الجن بنو شعيان وبنو قيس التقوا فكان من القتلى ما رأيت واستشهد الذي دفنته وكان من الذين سمعوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عثمان لذلك الرجل إن كنت صادقا فقد رأيت عجبا وإن كنت كاذبا فعليك كذبك وقوله تبارك وتعالى " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " أي طائفة من الجن " يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا " أي استمعوا وهذا أدب منهم وقد قال الحافظ البيهقي حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال " مالي أراكم سكوتا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا: ولا بشئ من آلائك أو نعمك ربا نكذب فلك الحمد " ورواه الترمذي في التفسير عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد عن الوليد بن مسلم به قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن فذكره ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد عن زهير كذا قال وقد رواه البيهقي من حديث مروان بن محمد الطاطري عن زهير بن محمد به مثله وقوله عز وجل " فلما قضى " أي فرغ كقوله تعالى " فإذا قضيت الصلاة " " فقضاهن سبع سماوات في يومين " " فإذا قضيتم مناسككم " " ولوا إلى قومهم منذرين " أي رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله جل وعلا " ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " وقد استدل بهذه الآية على أنه في الجن نذر وليس فيهم رسل ولا شك أن الجن لم يبعث الله تعالى منهم رسولا لقوله تعالى " وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " وقال عز وجل " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " وقال عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام " وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب " فكل نبي بعثه الله تعالى بعد إبراهيم فمن ذريته وسلالته فأما قوله تبارك وتعالى في الانعام " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم " فالمراد من مجموع الجنسين فيصدق على أحدهما وهو الانس كقوله " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " أي أحدهما ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرا عنهم " قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى " ولم يذكروا عيسى لان عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة فالعمدة هو التوراة فلهذا قالوا أنزل من بعد موسى وهكذا قال ورقة بن نوفل حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بقصة نزول جبريل عليه عليه الصلاة والسلام أول مرة فقال بخ بخ هذا الناموس الذي كان يأتي موسى يا ليتني أكون فيها جذعا " مصدقا لما بين يديه " أي من الكتب المنزلة على الأنبياء قبله وقولهم " يهدي إلى الحق " أي في الاعتقاد والاخبار " وإلى طريق مستقيم " في الأعمال فإن القرآن مشتمل على شيئين خبر وطلب فخبره صدق وطلبه عدل كما قال تعالى " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " وقال سبحانه وتعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " فالهدى هر العلم النافع ودين الحق هو العمل الصالح وهكذا قالت الجن " يهدي إلى الحق " في الاعتقادات " وإلى طريق مستقيم " أي في العمليات " يا قومنا أجيبوا داعي الله " فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الجن والإنس حيث دعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم وهى سورة الرحمن ولهذا قال " أجيبوا داعي الله وآمنوا به " وقوله تعالى
(١٨٣)