قوله تعالى: فسجد الملكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين (31) قوله تعالى (فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس) فيه مسألتان:
الأولى - لا شك أن إبليس كان مأمورا بالسجود، لقول: " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك (1) " وإنما منعه من ذلك الاستكبار والاستعظام، كما تقدم في " البقرة (2) " بيانه.
ثم قيل: كان من الملائكة، فهو استثناء من الجنس. وقال قوم: لم يكن من الملائكة، فهو استثناء منقطع. وقد مضى في " البقرة (2) " هذا كله مستوفى. وقال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس، لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر. فآدم أبو الانس. والجان أبو الجن. وإبليس أبو الشياطين، ذكره الماوردي. والذي تقدم في " البقرة " خلاف هذا، فتأمله هناك.
الثانية - الاستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعي، حتى لو قال: لفلان على دينار إلا ثوبا، أو عشرة أثواب إلا قفيز حنطة، وما جانس ذلك كان مقبولا، ولا يسقط عنه من المبلغ قيمة الثوب والحنطة. ويستوى في ذلك المكيلات والموزونات والمقدرات.
وقال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما: استثناء المكيل من الموزون والموزون من المكيل جائز، حتى لو استثنى الدراهم من الحنطة والحنطة من الدراهم قبل. فأما إذا استثنى المقومات من المكيلات أو الموزونات، والمكيلات من المقومات، مثل أن يقول: على عشرة دنانير إلا ثوبا، أو عشرة أثواب إلا دينارا لا يصح الاستثناء، ويلزم المقر جميع المبلغ. وقال محمد بن الحسن: الاستثناء من غير الجنس لا يصح، ويلزم المقر جملة (3) ما أقر به. والدليل