فالانسان راع على جوارحه، فكأنه قال كل هذه كان الانسان عنه مسؤولا، فهو على حذف مضاف. والمعنى الأول أبلغ في الحجة، فإنه يقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي، كما قال: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (1) "، وقوله " شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (1) ". وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لأنها حواس لها إدراك، وجعلها في هذه الآية مسؤولة، فهي حالة من يعقل، فلذلك عبر عنها بأولئك. وقال سيبويه رحمه الله في قوله تعالى: " رأيتهم لي ساجدين ":
إنما قال: " رأيتهم " في نجوم، لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل، وقد تقدم (2). وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بأولئك، وأنشد هو والطبري:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى * والعيش بعد أولئك الأيام وهذا أمر يوقف عنده. وأما البيت فالرواية فيه " الأقوام " والله أعلم.
قوله تعالى: ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا (37) كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها (38) فيه خمس مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحا) هذا نهى عن الخيلاء وأمر بالتواضع. والمرح: شدة الفرح. وقيل: التكبر في المشي. وقيل: تجاوز الانسان قدره.
وقال قتادة: هو الخيلاء في المشي. وقيل: هو البطر والأشر. وقيل: هو النشاط وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين: أحدهما مذموم والآخر محمود، فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الانسان قدره مذموم والفرح والنشاط محمود. وقد وصف الله تعالى نفسه بأحدهما، ففي الحديث الصحيح " لله أفرج بتوبة العبد من رجل... " الحديث. والكسل