قوله تعالى: لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين (88) فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (لا تمدن عينيك المعنى: قد أغنيتك بالقرآن عما في أيدي الناس، فإنه ليس منا من لم يتغن بالقرآن، أي ليس منا من رأى أنه ليس يغنى بما عنده من القرآن حتى يطمح بصره إلى زخارف الدنيا وعنده معارف المولى. يقال: إنه وافى سبع قوافل من البصرة وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد، فيها البر والطيب والجوهر وأمتعة البحر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله، فأنزل الله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثاني " أي فهي خير لكم من القوافل السبع، فلا تمدن أعينكم إليها. وإلى هذا صار ابن عيينة، وأورد قوله عليه السلام: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " أي من لم يستغن به. وقد تقدم هذا المعنى في أول (1) الكتاب. ومعنى (أزواجا منهم) أي أمثالا في النعم، أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى، فهم أزواج.
الثانية - هذه الآية تقتضي الزجر عن التشوف إلى متاع الدنيا على الدوام، وإقبال العبد على عبادة مولاه. ومثله " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم (2) فيه " الآية. وليس كذلك، فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" حبب إلى من دنياكم (3) النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ". وكان عليه الصلاة والسلام يتشاغل بالنساء، جبلة الآدمية وتشوف الخلقة الانسانية، ويحافظ على الطيب، ولا تقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى، ويرى أن مناجاته أحرى من ذلك وأولى.
ولم يكن في دين محمد الرهبانية والاقبال على الأعمال الصالحة بالكلية (4) كما كان في دين عيسى،