ثم عصمه الله من ذلك، وأنزل الله تعالى هذه الآية. ومعنى (ليفتنونك) أي يزيلونك. يقال:
فتنت الرجل عن رأيه إذا أزلته عما كان عليه، قاله الهروي. وقيل يصرفونك، والمعنى واحد.
(عن الذي أوحينا إليك) أي حكم القرآن، لان في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن.
(لتفتري علينا غيره) أي لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، وهو قول ثقيف: وحرم وادينا كما حرمت مكة، شجرها وطيرها ووحشها، فإن سألتك العرب لم خصصتهم فقل الله أمرني بذلك حتى يكون عذرا لك. (وإذا لاتخذوك خليلا) أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا، أي والوك وصافوك، مأخوذ من النخلة (بالضم) وهي الصداقة لممايلته لهم. وقيل:
" لاتخذوك خليلا " أي فقيرا. مأخوذ من الخلة (بفتح الخاء) وهي الفقر لحاجته إليهم.
قوله تعالى: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا (74) إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا (75) قوله تعالى: (ولولا أن ثبتناك) أي على الحق وعصمناك من موافقتهم. (لقد كدت تركن إليهم) أي تميل. (شيئا قليلا) أي ركونا قليلا. قال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام: " اللهم لا تكلني نفسي طرفة عين ". وقيل: ظاهر الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وباطنه إخبار عن ثقيف. والمعنى: وإن كادوا ليركنونك، أي كادوا يخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم، فنسب فعلهم إليه مجازا واتساعا، كما تقول لرجل: كدت تقتل نفسك، أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت، ذكره المهدوي. وقيل ما كان منه هم بالركون إليهم، بل المعنى: ولولا فضل الله عليك لكان منك ميل إلى موافقتهم، ولكن تم فضل الله عليك فلم تفعل، ذكره القشيري. وقال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوما، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شئ من أحكام الله تعالى وشرائعه.