قوله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة وحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون (93) قوله تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) أي على ملة واحدة. (ولكن يضل من يشاء) بخذلانه إياهم، عدلا منه فيهم. (ويهدى من يشاء) بتوفيقه إياهم، فضلا منه عليهم، ولا يسأل عما يفعل بل تسألون أنتم. والآية ترد على أهل القدر كما تقدم. واللام في " وليبينن ولتسئلن " مع النون المشددة يدلان على قسم مضمر، أي والله ليبينن لكم ولتسئلن.
قوله تعالى: ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولهم عذاب عظيم (94) قوله تعالى: (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم) كرر ذلك تأكيدا. (فتزل قدم بعد ثبوتها) مبالغة في النهى عنه لعظم موقعه في الدين وتردده في معاشرات الناس، أي لا تعقدوا الايمان بالانطواء على الخديعة والفساد فتزل قدم بعد ثبوتها، أي عن الايمان بعد المعرفة بالله.
وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه، لان القدم إذا زلت نقلت الانسان من حال خير إلى حال شر، ومن هذا المعنى قول كثير:
* فلما توافينا ثبت وزلت * والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة: زلت قدمه، كقول الشاعر:
سيمنع منك السبق إن كنت سابقا * وتقتل إن زلت بك القدمان ويقال لمن أخطأ في شئ: زل فيه ثم توعد تعالى بعد، بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة. وهذا الوعيد إنما هو فيمن نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من عاهده ثم نقض عهده خرج من الايمان، ولهذا قال: (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله) أي بصدكم. وذوق السوء في الدنيا هو ما يحل بهم من المكروه.