قوله تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الأيمن بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91) فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: (وأوفوا بعهد الله) لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الانسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة. وهذه الآية مضمن قوله: " إن الله يأمر بالعدل والاحسان " لان المعنى فيها: افعلوا كذا، وانتهوا عن كذا، فعطف على ذلك التقدير. وقد قيل: إنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم على الاسلام. وقيل: نزلت في التزام الحلف الذي كان في الجاهلية وجاء الاسلام بالوفاء، قاله قتادة ومجاهد وابن زيد.
والعموم يتناول كل ذلك كما بيناه. روى الصحيح عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حلف في الاسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الاسلام إلا شدة " يعنى في نصرة الحق والقيام به والمواساة. وهذا كنحو حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه (1)، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، أي حلف الفضائل. والفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس. روى ابن إسحاق عن ابن شهاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم لو أدعى به في الاسلام لا جبت ". وقال ابن إسحاق: تحامل الوليد بن عتبة على حسين بن علي في مال له، لسلطان الوليد فإنه كان أميرا على المدينة، فقال له حسين بن علي: احلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون بحلف الفضول. قال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف والله لئن دعانا (2) لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف من حقه أو نموت جميعا. وبلغت المسور بن مخرمة فقال مثل ذلك. وبلغت