فقوله: " خلقت الملائكة من نور " يقتضى العموم. والله أعلم. وقال الجوهري: مارج من نار نار لا دخان لها خلق منها الجان، والسموم الريح الحارة تؤنث، يقال منه: سم يومنا فهو يوم مسموم، والجمع سمائم. قال أبو عبيدة: السموم بالنهار وقد تكون بالليل، والحرور بالليل وقد تكون بالنهار. القشيري: وسميت الريح الحارة سموما لدخولها (بلطفها (1)) في مسام البدن.
قوله تعالى: وإذ قال ربك لملائكة إني خلق بشرا من صلصل من حما مسنون (28) فإذا سويته ونفحت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29) قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة) تقدم في " البقرة (2) ". (إني خالق بشرا من صلصال) من طين (فإذا سويته) أي سويت خلقه وصورته. (ونفخت فيه من روحي) النفخ إجراء الريح في الشئ. والروح جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم. وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما، كقوله: " أرضى وسمائي وبيتي وناقة الله وشهر الله ". ومثله " وروح منه " وقد تقدم في " النساء (3) " مبينا. وذكرنا في كتاب (التذكرة) الأحاديث الواردة التي تدل على أن الروح جسم لطيف، وأن النفس والروح إسمان لمسمى واحد. وسيأتي ذلك إن شاء الله. ومن قال إن الروح هو الحياة قال أراد: فإذا ركبت فيه الحياة. (فقعوا له ساجدين) أي خروا له ساجدين. وهو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة. ولله أن يفضل من يريد، ففضل الأنبياء على الملائكة. وقد تقدم في " البقرة (2) " هذا المعنى. وقال القفال:
كانوا أفضل من آدم، وامتحنهم (الله (1) بالسجود له تعريضا لهم للثواب الجزيل. وهو مذهب المعتزلة. وقيل: أمروا بالسجود لله عند آدم، وكان آدم قبلة لهم.