وقوله تعالى: إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) أي لو ركنت لأذقناك مثلي عذاب الحياة في الدنيا ومثلى عذاب الممات في الآخرة، قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وهذا غاية الوعيد. وكلما كانت الدرجة أعلى كان العذاب عند المخالقة أعظم. قال الله تعالى:
" يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين (1) " وضعف الشئ مثله مرتين، وقد يكون الضعف النصيب، كقوله عز وجل: " لكل ضعف " أي نصيب.
وقد تقدم في الأعراف.
(2).
قوله تعالى: وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا (76) هذه الآية قيل إنها مدنية، حسبما تقدم في أول السورة. قال ابن عباس: حسدت اليهود مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا: إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام، فإن كنت نبيا فالحق بها، فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك، فوقع ذلك في قلبه لما يحب من إسلامهم، فرحل من المدينة على مرحلة فأنزل الله هذه الآية. وقال عبد الرحمن بن غنم:
غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما نزل تبوك نزل (وإن كانوا ليستفزونك من الأرض) بعد ما ختمت السورة، وأمر بالرجوع. وقيل:
إنها مكية. قال مجاهد وقتادة: نزلت في هم أهل مكة بإخراجه، ولو أخرجوه لما أمهلوا ولكن الله أمره بالهجرة فخرج، وهذا أصح، لان السورة مكية، ولأن ما قبلها خبر عن أهل مكة، ولم يجر لليهود ذكر. وقول: " من الأرض " يريد أرض مكة. كقوله: " فلن أبرح الأرض (3) " أي أرض مصر، دليله " وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك (4) " يعنى مكة. معناه: هم أهلها بإخراجه، فلهذا أضاف إليها (5) وقال " أخرجتك ". وقيل:
هم الكفار كلهم أن يستخفوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه فمنعه الله، ولو أخرجوه