قوله تعالى: (وزدناهم هدى) أي يسرناهم للعمل الصالح، من الانقطاع إلى الله تعالى، ومباعدة الناس، والزهد في الدنيا. وهذه زيادة على الايمان. وقال السدى: زادهم هدى بكلب الراعي حين طردوه ورجموه مخافة أن ينبح عليهم وينبه بهم، فرفع الكلب يديه إلى السماء كالداعي فأنطقه الله، فقال: يا قوم! لم تطردونني، لم ترجمونني! لم تضربونني!
فوالله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعين سنة، فزادهم الله بذلك هدى.
قوله تعالى: وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا (14) قوله تعالى: (وربطنا على قلوبهم) عبارة عن شدة عزم وقوة صبر، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار: " ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ". ولما كان الفزع وخور النفس يشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط، ومنه يقال: فلان رابط الجأش، إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها. ومنه الربط على قلب أم موسى. وقوله تعالى: " وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام " وقد تقدم (1).
قوله تعالى: (إذ قاموا فقالوا) فيه مسئلتان:
الأولى - قوله تعالى: (إذ قاموا فقالوا) يحتمل ثلاثة معان: أحدها - أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر - كما تقدم، وهو مقام يحتاج إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه، ورفضوا في ذات الله هيبته. والمعنى الثاني فيما قيل: إنهم أولاد عظماء تلك المدينة، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد، فقال أسنهم: إني أجد في نفسي أن ربى رب السماوات والأرض، فقالوا ونحن كذلك نجد في أنفسنا. فقاموا جميعا فقالوا: " ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ".