فإنه لا يأمر بالفحشاء. وقال زكريا بن سلام: جاء رجل إلى الحسن فقال إنه طلق امرأته ثلاثا. فقال: إنك قد عصيت ربك وبانت منك. فقال الرجل: قضى الله ذلك على!
فقال الحسن وكان فصيحا: ما قضى الله ذلك أي ما أمر الله به، وقرأ هذه الآية:
" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ".
الثانية - أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ". وقال: " أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير (1) ". وفى صحيح البخاري عن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: " الصلاة على وقتها " قال: ثم أي؟
قال: " ثم بر الوالدين " قال ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " فأخبر صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الاسلام. ورتب ذلك " بثم " التي تعطى الترتيب والمهلة.
الثالثة - من البر بهما والاحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما، فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من الكبائر شتم الرجل والديه " قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال " نعم. يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ".
الرابعة - عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الامر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباح في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوب. وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدا في ندبيته.