فيه ست عشرة مسألة:
الأولى - (قضى) أي أمر وألزوم وأوجب. قال ابن عباس والحسن وقتادة: ليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر. وفى مصحف ابن مسعود " ووصى " وهي قراءة أصحابه وقراءة ابن عباس أيضا وعلى وغيرهما، وكذلك عند أبي بن كعب. قال ابن عباس: إنما هو " ووصى ربك " فالتصقت إحدى الواوين فقرئت " وقضى ربك " إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد. وقال الضحاك: تصحفت على قوم " وصى بقضى " حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف. وذكر أبو حاتم عن ابن عباس مثل قول الضحاك. وقال عن ميمون بن مهران أنه قال: إن على قول ابن عباس لنورا، قال الله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك (1) " ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك. وقال: لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا، ثم قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم:
القضاء يستعمل في اللغة على وجوه: فالقضاء بمعنى الامر، كقوله تعالى: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " معناه أمر. والقضاء بمعنى الخلق، كقوله: " فقضاهن سبع سماوات في يومين (2) " يعنى خلقهن. والقضاء بمعنى الحكم، كقوله تعالى: " فاقض ما أنت قاض (3) " يعنى احكم ما أنت تحكم. والقضاء بمعنى الفراغ، كقوله: " قضى الامر الذي فيه تستفتيان (4) ".
أي فرغ منه، ومنه قوله تعالى " فإذا قضيتم مناسككم (5) ". وقوله تعالى: " فإذا قضيت الصلاة (6) ". والقضاء بمعنى الإرادة، كقوله تعالى: " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (7) ". والقضاء بمعنى العهد، كقوله تعالى: " وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر (8) ".
فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله، لأنه إن أريد به الامر فلا خلاف أنه لا يجوز ذلك، لان الله تعالى لم يأمر بها،