أن حسنها لم يحسن في تهييج وجده وتهييم قلبه ". وإني أفهم أن المعنى الذي أراغ إليه البحتري: أن حسنها لم يحسن إليه بما يود الحبيب من حبيبه أن يحسن إليه به، مما يمتع نفسه، ويروى ظمأ حبه، وأن جمالها لم يجمل بإصفاء المودة، وإنالة جنى الحب المشتهى. وبذلك يتسق معنى البيت، مع المعنى الذي يميل إليه أهل الهوى . والحب.
ولئن كان الباقلاني قد أخطأ في نقد بيت البحتري الأول، وضل عن معناه، فإنه أصاب في نقده للبيت الثاني، حيث يقول: " وأما البيت الثاني فإن قوله:
" في حيث " حشا بقوله كلامه، ووقع ذلك مستنكرا وحشيا نافرا عن طبعه، جافيا في وضعه، فهو كرقعة من جلد في ديباج حسن! فهو يمحو حسنه، ويأتي على جماله. ثم في المعنى شئ، لان لجاج العذل لا يدل على هوى مجهول، ولو كان مجهولا لم يهتدوا للعذل عليه. فعلم أن المقصد استجلاب العبارات. ثم لو سلم من هذا الخلل لم يكن في البيت معنى بديع، ولا شئ يفوت قول الشعراء في العذل، فإن ذلك جملهم الذلول، قولهم المكرر المقول " * * * ثم قال الباقلاني في ص 374 " وأما الغرض الذي صنفنا فيه، في التفصيل والكشف عن إعجاز القرآن، فلم نجده على التقريب الذي قصدنا، وقد رجونا أن يكون ذلك مغنيا ووافيا. وقد قصدنا فيما أمليناه الاختصار، ومهدنا الطريق ".
ثم عرض لنقد الجاحظ في ص 377: بأن كلامه قريب، ومنهاجه معيب ونطاق قوله ضيق. ومن أجل ذلك يستعين بكلام غيره، ويفزع إلى ما يوشح به كلامه، من بيت سائر، ومثل نادر، وحكمة منقولة، وقصة مأثورة، فإذا أطال ولم يستعن بكلام غيره، كان كلامه ككلام غيره.
ثم زعم أن أبا الفضل بن العميد قد سلك مسلكه، ونازعه طريقته، فلم يقصر عنه. ولعله قد بان تقدمه عليه، لأنه يأخذ في الرسالة الطويلة فيستوفيها على حدود مذهبه، ولا يقتصر على أن يأتي بالأسطر من نحو كلامه، كما ترى الجاحظ يفعل