وملاسته تلويا وتعقدا، فهذا فصل. وفيه شئ آخر وهو: أن هذا الخطاب إنما يستقيم مهما خوطب به الخيال حال إقباله، فأما أن يحكى الحال التي كانت وسلفت على هذه العيادة، ففيه عهدة، وفى تركيب الكلام عن هذا المعنى عقدة. وهو لبراعته وحذقه في هذه الصنعة - يعلق نحو هذا الكلام، ولا ينظر في عواقبه، لان ملاحة قوله تغطي على عيون الناظرين فيه نحو هذه الأمور. ثم قوله:
" فعل الذي نهواه أو لم يفعل "، ليست بكلمة رشيقة، ولا لفظة ظريفة، وإن كانت كسائر الكلام ".
ولست أشك في أن الباقلاني قد حاد عن جادة الصواب عند ما حكم بأن بيت الصنوبري أخف من بيت البحتري. وغنى عن البيان أن بيت الصنوبري ثقيل بالغ الثقل، وحسبه أن يجتمع في شطره الأول " الزور من زور " وأن يكون في شطره الثاني كلمة " الدور "، ليأخذ سبيله إلى مستقره في حضيض الشعر الأوهد.
وأما نقد الباقلاني لبيت البحتري الثاني، فإني أورده ليكون بيانا لمنهجه في نقده ولأنه استطرد فيه إلى نقد امرئ القيس بنقد لطيف ذهب به، ولم يسبقه أحد إليه.
قال: " فأما بيته الثاني، فهو عظيم الموقع في البهجة، وبديع المأخذ، حسن الرواء، أنيق المنظر والمسمع، يملأ القلب والفهم، ويفرح الخاطر، وتسرى بشاشته في العروق. وكان البحتري يسمى نحو هذه الأبيات عروق الذهب، وفى نحوه ما يدل على براعته في الصناعة، وحذقه في البلاغة. ومع هذا كله فيه ما نشرحه من الخلل، مع الديباجة الحسنة، والرونق المليح. وذلك أنه جعل الخيال كالبرق لإشراقه في مسراه، كما يقال: إنه يسرى كنسيم الصبا، فيطيب ما مر به كذلك يضئ ما مر حوله، وينور ما مر به. وهذا غلو في الصنعة، إلا أن ذكره " بطن وجرة " حشو، وفى ذكره خلل، لان النور القليل يؤثر في بطون الأرض وما اطمأن منها، بخلاف ما يؤثر في غيرها، فلم يكن من سبيله أن يربط ذلك ببطن وجرة. وتحديده المكان - على الحشو - أحمد من تحديد امرئ القيس من ذكر " سقط اللوى بين الدخول فحومل، فتوضح فالمقراة " لم يقنع بذكر حد، حتى حده بأربعة حدود، كأنه يريد بيع المنزل فيخشى إن أخل