الرفيق، والمعالج الشفيق الذي يعرف الداء وسببه، والدواء وموقعه، ويصبر على طول العلاج، ولا يسأم كثرة التردد. وقلت: اجعل تجارتك التي إياها تؤمل، وصناعتك التي إياها تعتمد - إصلاح الفاسد، ورد الشارد. وقلت:
ولابد من استجماع الأصول، ومن استيفاء الفروع، ومن حسم كل خاطر، وقمع كل ناجم، وصرف كل هاجس، ودفع كل شاغل، حتى تتمكن من الحجة، وتتهنأ بالنعمة، وتجد رائحة الكفاية، وتثلج ببرد اليقين، وتفضي إلى حقيقة الامر. وقلت: ابدأ بالأخف فالأخف، وبكل ما كان آنق في السمع وأحلى في الصدور، وبالباب الذي يؤتى منه الريض المتكلف، والجسور المتعجرف، وبكل ما كان أكثر علما، وأنفذ كيدا.. فكتبت لك كتابا أجهدت فيه نفسي، وبلغت منه أقصى ما يمكن مثلي في الاحتجاج للقرآن، والرد على كل طعان، فلم أدع فيه مسألة لرافضي ولا لحديثي، ولا لحشوي، ولا لكافر مباد، ولا لمنافق مقموع، ولا لأصحاب " النظام " ولمن نجم بعد " النظام " ممن يزعم: أن القرآن حق وليس تأليفه بحجة، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة، فلما ظننت أنى قد بلغت أقصى محبتك، وأتيت على معنى صفتك - أتاني كتابك تذكر أنك لم ترد الاحتجاج لنظم القرآن، وإنما أردت الاحتجاج لخلق القرآن وكانت مسألتك مبهمة فكتبت لك أشق الكتابين وأثقلهما، وأغمضهما معنى، وأطولهما طولا.. " ولست أعرف نقلا عن كتاب: " نظم القرآن " ولا حديثا عنه، ولا وصفا له غير وصف الجاحظ هذا، وأحسبه فيه من الصادقين وقد قلد الجاحظ في هذه التسمية أبو بكر: عبد الله بن أبي داود السجستاني، المتوفى سنة 316 في كتابه: " نظم القرآن ".
وأبو زيد البلخي: أحمد بن سليمان، المتوفى سنة 322 ه قال أبو حيان في كتاب " البصائر والذخائر ": قال أبو حامد القاضي: لم أر كتابا في القرآن مثل كتاب لأبي زيد البلخي، وكان فاضلا يذهب في رأى الفلاسفة، لكنه تكلم في القرآن بكلام لطيف دقيق في مواضع، وأخرج سرائره وسماه: " نظم القرآن " ولم يأت على جميع المعاني فيه.