كتاب إعجاز القرآن وهو أول كتب الباقلاني نشرا، وأشهرهم ذكرا، وهو أعظم كتاب ألف في الاعجاز إلى اليوم، وإن كره ذلك بعض المتعصبين على المعهد العتيق. ولقد حدثني من أثق بصدق حديثه: أن دارا للنشر والطبع استشارت كبيرا منهم في طبع هذا الكتاب بتحقيقي، فكتب إليها بخط يده يقول: " أنا لا أنصح بطبع كتاب إعجاز القرآن للباقلاني، لأنه ليس أنفس كتاب في موضوعه "!!
ولما لقيت كاتب هذا التقرير العجيب قذفت سامعتيه بهذا التحدي: " دلني على كتاب واحد في إعجاز القرآن تربو قيمته على كتاب الباقلاني أو تضارعه "!
فأبلس ولم يحر جوابا..
* * * ذكر الباقلاني في مقدمته أن الذين ألفوا في " معاني القرآن " من علماء اللغة والكلام، لم يبسطوا القول في الإبانة عن وجه معجزته، والدلالة على مكانه، مع أن الحاجة إلى ذلك البيان أمس، والاشتغال به أوجب، فهو أحق بالتصنيف من الجزء والطفرة والاعراض وغريب النحو وبديع الاعراب. وأن ما صنفه العلماء في هذا المعنى جاء غير كامل في بابه، قد أخل بتهذيبه، وأهمل ترتيبه، وقد التمس لبعضهم العذر فيما وقع منه من تفريط، لان بيان وجه الاعجاز " مما لا يمكن بيانه إلا بعد التقدم في أمور عظيمة المقدار، دقيقة المسلك، لطيفة المأخذ ". وقال:
إن الجاحظ " صنف في نظم القرآن كتابا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله، ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى ".
ثم قال: إن سائلا سأله أن يذكر جملة من القول جامعة، تسقط الشبهات وتزيل الشكوك التي تعرض للجهال، وتنتهي إلى ما يخطر لهم، ويعرض لأفهامهم، من الطعن في وجه المعجزة. فأجابه إلى ذلك، وألف هذا الكتاب، وذكر أنه أشار إلى ما سبق بيانه من غيره، ولم يبسط القول فيه، لئلا يكون ما ألفه مكررا