القائلين بالصرفة، وقال: إن التوراة والإنجيل وغيرهما من كلام الله يشارك القرآن في الاعجاز بما تضمنه من الاخبار عن الغيوب، ويباينه في أنه ليس بمعجز في النظم والتأليف، لان الله لم يصفه بما وصف به القرآن، ولم يقع به التحدي كما وقع بالقرآن، ولان الألسنة التي نزل بها لا يتأتى فيها من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهى إلى حد الاعجاز. وقال: إن كتاب زرادشت وكتاب مانى ليس يقع فيهما إعجاز، وإنه لا يوجد لابن المقفع كتاب يدعى مدع أنه عارض فيه القرآن.
* * * والفصل الثالث ص 48 في جملة وجوه إعجاز القرآن. وقد ذكر في مستهله أن الأشاعرة وغيرهم ذكروا في ذلك ثلاثة أوجه: أولها: ما تضمنه القرآن من الاخبار عن الغيوب، وذلك مما يقدر عليه البشر، ولا سبيل لهم إليه.
والوجه الثاني: أنه أتى بجمل ما وقع وحدث من عظيمات الأمور ومهمات السير من حين خلق الله آدم إلى مبعثه، مع أنه كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ، ولم يكن يعرف شيئا من كتب المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم.
والوجه الثالث: " أنه بديع النظم عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه " وقال: إن الذي أطلقه العلماء في هذا الوجه هو على هذه الجملة، أما هو فقد كشف الجملة التي أطلقوها، وفصل ذلك بعض التفصيل، حيث يقول ص 51: " فالذي يشتمل عليه بديع نظمه المتضمن للإعجاز وجوه:
منها ما يرجع إلى الجملة، وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه، وتباين مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم، ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به، ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد ".
ومنها ص 53 " أنه ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف البديع، والمعاني اللطيفة، والفوائد الغزيرة، والحكم الكثيرة، والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة، على هذا الطول، وعلى هذا القدر. وهذا المعنى هو غير المعنى الأول، فتأمله تعرف الفصل ".
والمعنى الثالث ص 54: أن عجيب نظمه، وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين، على ما يتصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها ويشتمل عليها " وإنما هو على حد