/ وقال:
ورمل عزيف الجن في عقباته * هزير كتضراب المغنين بالطبل (1) وإذا كان القوم يعتقدون كلام الجن ومخاطباتهم، ويحكون عنهم، وذلك القدر المحكى لا يزيد أمره على فصاحة العرب - صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه كعجز الانس.
ويبين ذلك من القرآن: أن الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن فقال: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن. فلما حضروه قالوا أنصتوا، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين) (2) إلى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه.
فإذا ثبت أنه وصف كلامهم، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم، صح أن يوصف الشئ المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة.
وهذان الجوابان أسد عندي من جواب " بعض المتكلمين " عنه، بأنه عجز الانس (3) عن القرآن يثبت له حكم الاعجاز، فلا يعتبر غيره. / ألا ترى أنه لو عرفنا من طريق المشاهدة عجز الجن عنه، فقال لنا قائل: فدلوا على أن الملائكة تعجز عن الاتيان بمثله، لم يكن لنا في الجواب غير هذه الطريقة التي قد بيناها.
وإنما ضعفنا هذا الجواب، لان الذي حكى وذكر عجز الجن والإنس (4) عن الاتيان بمثله - فيجب أن نعلم عجز الجن عنه، كما علمنا عجز الانس عنه.
ولو كان وصف عجز الملائكة عنه، لوجب أن نعرف ذلك أيضا بطريقه.
فإن قيل: أنتم (5) قد انتهيتم إلى ذكر الاعجاز في التفاصيل، وهذا الفصل إنما يدل على الاعجاز في الجملة؟
قيل: هذا كما أنه يدل على الجملة، فإنه يدل على التفصيل أيضا، فصح (6) أن يلحق هذا القبيل. كما كان يصح أن يلحق بباب الجمل.
* * *