فإن قال قائل: وكيف يستخفى الانسان عن نفسه مما يأتي؟ قيل: قد بينا أن معنى ذلك إنما هو الأماني، وفي تركه إتيانه إخفاؤه عن نفسه.
وقوله: ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما كنتم تعملون يقول جل ثناؤه ولكن حسبتم حين ركبتم في الدنيا من معاصي الله أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون من أعمالكم الخبيثة، فلذلك لم تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم، فتتركوا ركوب ما حرم الله عليكم.
وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل نفر تدارؤوا بينهم في علم الله بما يقولونه ويتكلمون سرا. ذكر الخبر بذلك.
23536 حدثني محمد بن يحيى القطعي، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا قيس، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر الأزدي، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت مستترا بأستار الكعبة، فدخل ثلاثة نفر، ثقفيان وقرشي، أو قرشيان وثقفي، كثير شحوم بطونهما، قليل فقه قلوبهما، فتكلموا بكلام لم أفهمه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟
فقال الرجلان: إذا رفعنا أصواتنا سمع، وإذا لم نرفع لم يسمع، فأتيت رسول الله (ص)، فذكرت له ذلك، فنزلت هذه الآية: وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم... إلى آخر الآية.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا سفيان، قال: ثني الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن وهب بن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود، قال: إني لمستتر بأستار الكعبة، إذ دخل ثلاثة نفر، ثقفي وختناه قرشيان، قليل فقه قلوبهما، كثير شحوم بطونهما، فتحدثوا بينهم بحديث، فقال أحدهم: أترى الله يسمع ما قلنا؟، فقال الآخر: إنه يسمع إذا رفعنا، ولا يسمع إذا خفضنا. وقال الآخر: إذا كان يسمع منه شيئا فهو يسمعه كله، قال: فأتيت رسول الله (ص)، فذكرت ذلك له، فنزلت هذه الآية: وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم... حتى بلغ وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله بنحوه. القول في تأويل قوله تعالى: