جملة ذلك الفوز المبين تكررت مرة أخرى في الآية (16) من سورة الأنعام، غاية ما هناك أن الفوز المبين قيل هناك لأولئك الذين ينجون من عذاب الله عز وجل: من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين أما هنا فقد قيلت فيمن دخل الجنة وفي رحمة الله، وكلاهما في الواقع فوز عظيم: النجاة من العذاب، والدخول في مستقر رحمة الله سبحانه.
وهنا قد يرد هذا السؤال، وهو: هل أن المؤمنين الذين ليس لهم عمل صالح لا يدخلون الجنة؟
والجواب: إنهم يدخلونها لكن بعد أن يروا جزاءهم في جهنم حتى يطهروا، فإن الذين يردون مستقر رحمة الله هذا بعد الحساب مباشرة هم أصحاب العمل الصالح مضافا إلى إيمانهم، وحسب.
كلمة " الفوز " - كما يقول الراغب في مفرداته - تعني الظفر المقترن بالسلامة، وقد استعملت في (19) موردا من آيات القرآن المجيد، فوصف الفوز مرة بالمبين، وأخرى بالكبير، أما في غالب الآيات فقد وصف بالعظيم. وهو مستعمل عادة في شأن الجنة، إلا أنه استعمل في بعض الموارد في شأن التوفيق لطاعة الله ومغفرة الذنوب وأمثال ذلك.
وتذكر الآية الآتية مصير من يقع في الطرف المقابل لأولئك السابقين، فتقول:
وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين.
ومما يلفت النظر أن الكلام في هذه الآية عن الكفر فقط، وأما أعمال السوء التي هي عامل الدخول في عذاب الله وسببه فلم يجر لها ذكر، وذلك لأن الكفر وحده كاف لأن يدخل صاحبه العذاب، أو لأن التعبير بالمجرمين في ذيل الآية كاف لبيان هذا المعنى.
والنكتة الأخرى هنا أنه لم يرد كلام عن عقوبات الجحيم، بل الكلام عن التوبيخ الإلهي لهم وتقريعهم، وهو يعتبر أشد العذاب وأكبره، وتهون معه الجحيم