المغرورين والمتكبرين الذين ينظرون إلى الآخرين بعين الاحتقار يتخذونهم هزوا ويسخرون منهم، ومصدر الغرور في الواقع هو متاع الدنيا وقدرتها وثروتها الزائلة المؤقتة، والتي تدع الأفراد الضيقي الصدور في غفلة تامة لا يعيرون معها لدعوة رسل الله أدنى اهتمام، ولا يكلفون أنفسهم حتى النظر فيها للوقوف على صوابها من عدمه.
وتكرر الآية ما ورد في الآية السابقة وتؤكده بأسلوب آخر، فتقول:
فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون (1)، فقد كان الكلام هناك عن مأواهم ومقرهم الثابت، والكلام هنا عن عدم خروجهم من النار.. حيث قال هناك: ما لهم من ناصرين، وهنا يقول: لا يقبل منهم عذر، والنتيجة هي أن لا سبيل لنجاتهم.
وفي نهاية هذه السورة، ولإكمال بحث التوحيد والمعاد، والذي كان يشكل أكثر مباحث هذه السورة، تبين الآيتان الأخيرتان وحدة ربوبية الله وعظمته، وقدرته وحكمته، وتذكر خمس صفات من صفات الله سبحانه في هذا الجانب، فتقول أولا: فلله الحمد لأنه رب السماوات ورب الأرض رب العالمين.
" الرب " بمعنى المالك والمدبر، والحاكم والمصلح، وبناء على هذا فكل خير وبركة تأتي منه سبحانه ولذلك، ترجع إليه كل المحامد والثناء، فحتى الثناء على الورد، وصفاء العيون، وعذوبة النسيم، وجمال النجوم، حمد له وثناء عليه، فإنها جميعا تصدر عنه، وتنمو بفضله ورعايته.
والطريف أنه يقول مرة: رب السماوات، وأخرى: رب الأرض، وثالثة: رب عالم الوجود والعالمين، ليفند الاعتقاد بالآلهة المتعددة التي جعلوها للموجودات المختلفة، ويدعو الجميع إلى توحيد الله سبحانه والاعتقاد بأحديته.
وبعد وصف ذاته المقدسة بمقام الحمد والربوبية، تضيف الآية في الصفة الثالثة:
وله الكبرياء في السماوات والأرض لأن آثار عظمته ظاهرة في السماء المترامية