الأول، أي أن البنيان هو ذلك البناء المكون من أربعة جدران كبيرة.
وآيات القرآن الكريم هنا لم تشر إلى دقائق وتفاصيل هذا الحادث الذي ورد في سورة الأنبياء، وإنما أنهت هذه الحادثة بخلاصة مركزة ولطيفة فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين.
(كيد) في الأصل تعني الاحتيال، أكان بطريقة صحيحة أم غلط، مع أنها غالبا ما تستعمل في موارد مذمومة، وبما أنها جاءت بحالة النكرة هنا، فإنها تدل على عظمة الشئ وأهميته، وهي إشارة إلى المخطط الواسع الذي وضعه طغاة بابل للقضاء على دعوة إبراهيم للناس بقوله وعمله ومحو آثارها.
نعم، لقد وضعهم الله سبحانه وتعالى في أسفل السافلين، فيما رفع إبراهيم (عليه السلام) إلى أعلى عليين، كما كان أعلى منطقا، وجعله هو الأعلى في حادثة إشعال النيران، وأعداءه الأقوياء هم الأخسرين، فكانت النار عليه بردا وسلاما دون أن تحرق حتى شعرة واحدة من جسد إبراهيم (عليه السلام) وخرج سالما من ذلك البحر الجهنمي.
فإرادته تقتضي أن ينجي في يوم من الأيام نوحا من " الغرق "، وفي يوم آخر ينقذ إبراهيم من " الحرق "، وذلك لكي يوضح أن الماء والنار عبدان مطيعان له سبحانه وتعالى ومستجيبان لأوامره.
إبراهيم (عليه السلام) الذي نجا بإرادة الله من هذه الحادثة الرهيبة والمؤامرة الخطيرة التي رسمها أعداؤه له، وخرج مرفوع الرأس منها، صمم على الهجرة إلى أرض بلاد الشام، إذ أن رسالته في بابل قد انتهت، وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين.
من البديهات أن الله لا يحويه مكان، والهجرة التي تتم في سبيله من المجتمع الملوث الفاسد إلى المجتمع الطاهر الصافي، فإنها هجرة إلى الله.
فالهجرة إلى أرض الأنبياء والأولياء ومهبط الوحي الإلهي، هي هجرة إلى الله، مثلما يعرف السفر إلى مكة المكرمة بأنه سفر إلى الله، خاصة وأن هجرة إبراهيم (عليه السلام)