البيان عن وقت الحاجة، وإنما يدل على جواز تأخير البيان، عن وقت الخطاب (كلا) أي لا تتدبرون القرآن، وما فيه من البيان (بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) أي تختارون الدنيا على العقبى، فيعملون للدنيا لا للآخرة، جهلا منهم، وسوء اختيار.
ثم بين سبحانه حال الناس في الآخرة فقال: (وجوه يومئذ) يعني يوم القيامة (ناضرة) أي ناعمة بهجة حسنة، عن ابن عباس، والحسن. وقيل: مسرورة، عن مجاهد. وقيل: مضيئة بيض يعلوها النور، عن السدي، ومقاتل. جعل الله سبحانه وجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة، علامة للخلق والملائكة، على أنهم الفائزون (إلى ربها ناظرة) اختلف فيه على وجهين أحدهما. إن معناه نظر العين والثاني: إنه الانتظار. واختلف من حمله على نظر العين على قولين أحدهما: إن المراد: إلى ثواب ربها ناظرة أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة، حالا بعد حال، فيزداد بذلك سرورها. وذكر الوجوه والمراد أصحاب الوجوه. روى ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين لهم وغيرهم. فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: (وجاء ربك) أي أمر ربك. وقوله:
(وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار) أي إلى طاعة العزيز الغفار، وتوحيده. وقوله.
(إن الذين يؤذون الله) أي أولياء الله.
والآخر: إن النظر بمعنى الرؤية والمعنى تنظر إلى الله معاينة، رووا ذلك عن الكلبي ومقاتل وعطاء وغيرهم. وهذا لا يجوز لأن كل منظور إليه. بالعين مشار إليه بالحدقة واللحاظ، والله يتعالى عن أن يشار إليه بالعين، كما يجل سبحانه عن أن يشار إليه بالأصابع، وأيضا فإن الرؤية بالحاسة، لا تتم إلا بالمقابلة والتوجه. والله يتعالى عن ذلك بالاتفاق. وأيضا فإن رؤية الحاسة لا تتم إلا باتصال الشعاع بالمرئي، والله منزه عن اتصال الشعاع به، على أن النظر لا يفيد الرؤية في اللغة، فإنه إذا علق بالعين أفاد طلب الرؤية، كما أنه إذا علق بالقلب، أفاد طلب المعرفة، بدلالة قولهم: نظرت إلى الهلال، فلم أره. فلو أفاد النظر الرؤية لكان هذا القول ساقطا متناقضا. وقولهم: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته. والشئ لا يجعل غاية لنفسه، فلا يقال: ما زلت أراه حتى رأيته، ولأنا نعلم الناظر بالضرورة، ولا نعلمه رائيا بالضرورة، بدلالة أنا نسأله هل رأيت أم لا؟ وأما من حمل النظر في الآية على