كما يقال عيني ممدودة إلى الله تعالى، وإلى فلان، وأنا شاخص الطرف إلى فلان، ولما كانت العيون بعض أعضاء الوجوه، أضيف الفعل الذي يقع بالعين إليها، عن أبي مسلم وثالثها: إن المعنى أنهم قطعوا آمالهم وأطماعهم عن كل شئ سوى الله تعالى ووجوده دون غيره، فكنى سبحانه عن الطمع بالنظر، ألا ترى أن الرعية تتوقع نظر السلطان، وتطمع في إفضاله عليها، وإسعافه في حوائجها، فنظر الناس مختلف: فناظر إلى سلطان، وناظر إلى تجارة، وناظر إلى زراعة، وناظر إلى ربه يؤمله، وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. وعلى هذا فإن هذا الانتظار متى يكون.
فقيل: إنه بعد الاستقرار في الجنة. وقيل: إنه قبل استقرار الخلق في الجنة والنار، فكل فريق ينتظر ما هو له أهل. وهذا اختيار القاضي عبد الجبار.
وذكر جمهور أهل العدل أن النظر يجوز أن يحمل على المعنيين جميعا، ولا مانع لنا من حمله على الوجهين، فكأنه سبحانه أراد أنهم ينظرون إلى الثواب المعد لهم في الحال من أنواع النعيم، وينتظرون أمثالها حالا بعد حال، ليتم لهم ما يستحقونه من الإجلال. ويسأل على هذا فيقال: إذا كان بمعنى النظر بالعين حقيقة، وبمعنى الانتظار مجازا، فكيف يحمل عليهما؟ والجواب. إن عند أكثر المتكلمين في أصول الفقه، يجوز أن يرادا بلفظة واحدة إذ لا تنافي بينهما، وهو اختيار المرتضى، قدس الله روحه، ولم يجوز ذلك أبو هاشم، إلا إذا تكلم به مرتين، مرة يريد النظر، ومرة يريد الانتظار.
وأما قولهم: المنتظر لا يكون نعيمه خالصا، فكيف يوصف أهل الجنة بالإنتظار؟ فالجواب عنه: إن من ينتظر شيئا لا يحتاج إليه في الحال، وهو واثق بوصوله إليه عند حاجته، فإنه لا يهتم بذلك، ولا يتنغص سروره به، بل ذلك زائد في نعيمه، وإنما يلحق الهم المنتظر إذا كان يحتاج إلى ما ينتظره في الحال، ويلحقه بفوته مضرة وهو غير واثق بالوصول إليه، وقد قيل في إضافة النظر إلى الوجوه: إن الغم والسرور إنما يظهران في الوجوه، فبين الله سبحانه أن المؤمن إذا ورد يوم القيامة، تهلل وجهه، وأن الكافر العاصي يخاف مغبة أفعاله القبيحة، فيكلح وجهه، وهو قوله (ووجوه يومئذ باسرة) أي كالحة عابسة متغيرة (تظن أن يفعل بها فاقرة) أي تعلم وتستيقن أنه يعمل بها داهية تفقر ظهورهم أي تكسرها. وقيل: إنه على حقيقة الظن أي يظنون حصولها جملة، ولا يعلمون تفصيلها. وهذا أولى من الأول،