وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع، فأمسى الرهن قد غلقا (1) فكذلك هؤلاء الضلال قد أخذوا برهن لا فكاك له. والكسب هو كل ما يجتلب به نفع، أو يدفع به ضرر، ويدخل فيه الفعل، وأن لا يفعل. ثم استثنى سبحانه أصحاب اليمين فقال: (إلا أصحاب اليمين). وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم.
وقيل: هم الذين يسلك بهم ذات اليمين. قال قتادة: غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين، وهم الذين لا ذنب لهم فهم ميامين على أنفسهم. وقيل: هم المؤمنون المستحقون للثواب، عن الحسن. وقيل: هم الملائكة، عن ابن عباس. وقال الباقر عليه السلام: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين. (في جنات يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضا. وقيل: يساءلون (عن المجرمين) أي عن حالهم، وعن ذنوبهم التي استحقوا بها النار.
(ما سلككم في سقر) هذا سؤال توبيخ أي يتطلع أهل الجنة على أهل النار، فيقولون لهم ما أوقعكم في النار (قالوا لم نك من المصلين) أي كنا لا نصلي الصلاة المكتوبة على ما قررها الشرع. وفي هذا دلالة على أن الإخلال بالواجب يستحق به الذم والعقاب، لأنهم علقوا استحقاقهم العقاب بالإخلال في الصلاة. وفيه دلالة أيضا على أن الكفار مخاطبون بالعبادات الشرعية، لأنه حكاية عن الكفار بدلالة قوله:
(وكنا نكذب بيوم الدين). وقوله: (ولم نك نطعم المسكين) معناه لم نك نخرج الزكوات التي كانت واجبة علينا، والكفارات التي وجب دفعها إلى المساكين، وهم الفقراء. (وكنا نخوض مع الخائضين) أي: كلما غوى غاو بالدخول في الباطل، غوينا معه، عن قتادة. والمعنى: كنا نلوث أنفسنا بالمرور في الباطل، كتلويث الرجل بالخوض فلما كان هؤلاء يجرون مع من يكذب بالحق، مشيعين لهم في القول، كانوا خائضين معهم. (وكنا نكذب بيوم الدين) مع ذلك أي نجحد يوم الجزاء، وهو يوم القيامة. والجزاء هو الإيصال إلى كل من له شئ أم عليه شئ ما يستحقه. فيوم الدين هو يوم أخذ المستحق بالعدل (حتى أتانا اليقين) أي أتانا الموت على هذه الحالة. وقيل: حتى جاءنا العلم اليقين من ذلك بأن عايناه.