مكان قريب) لأنه يسمعه الخلائق كلهم على حد واحد، فلا يخفى على أحد قريب ولا بعيد، فكأنهم نودوا من مكان يقرب منهم.
(يوم يسمعون الصيحة بالحق) والصيحة: المرة الواحدة من الصوت الشديد.
وهذه الصيحة (1) هي النفخة الثانية. وقوله (بالحق) أي بالبعث، عن الكلبي.
وقيل: يعني أنها كائنة حقا، عن مقاتل. (ذلك يوم الخروج) من القبور إلى أرض الموقف. وقيل: هو اسم من أسماء القيامة، عن أبي عبيدة، واستشهد بقول ا لشاعر:
أليس يوم سمي الخروجا * أعظم يوم رجة رجوجا (إنا نحن نحي ونميت) أخبر سبحانه عن نفسه أنه هو الذي يحيي الخلق بعد أن كانوا جمادا أمواتا، ثم يميتهم بعد أن كانوا أحياء، ثم يحييهم يوم القيامة، وهو قوله: (وإلينا المصير يوم تشقق) أي تتشقق (الأرض عنهم) تتصدع، فيخرجون منها (سراعا) يسرعون إلى الداعي بلا تأخير (ذلك حشر) والحشر الجمع بالسوق من كل جهة (علينا يسير) أي سهل علينا غير شاق، هين غير متعذر، مع تباعد ديارهم وقبورهم.
ثم عزى سبحانه نبيه (ص) فقال: (نحن أعلم بما يقولون) أي بما يقوله هؤلاء الكفار في تكذيبك، وجحود نبوتك، وإنكار البعث لا يخفى علينا من أمرهم شئ (وما أنت عليهم بجبار) أي بمسلط قادر على قلوبهم، فتجبرهم على الإيمان، وإنما بعثت منذرا داعيا مرغبا، وهذا معنى قول ابن عباس. تغلب: جاءت أحرف على فعال بمعنى مفعل، مثل دراك بمعنى مدرك، وسراع بمعنى مسرع، وسيف سقاط بمعنى مسقط، وبكاء بمعنى مبكي. قال علي بن عيسى: لم يسمع من ذلك إلا دراك من أدركت. وقيل: جبار من جبرته على الأمر بمعنى أجبرته، وهي لغة كنانة. وقيل: معناه ما أنت عليهم بفظ غليظ، لا تحلم عنهم فاحتمل أذاهم (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد " إنما خص بالذكر من يخاف وعيد الله، لأنه الذي ينتفع به.