أليس يقول (بغير عمد ترونها) قلت: بلى. قال: فثم عمد، ولكن لا ترى!
فقلت: فكيف ذلك جعلني الله فداك؟ قال: فبسط كفه اليسرى، ثم وضع اليمنى عليها فقال: هذه أرض الدنيا، والسماء الدنيا فوقها قبة، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا، والسماء الثانية فوقها قبة، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية، والسماء الثالثة فوقها قبة، ثم هكذا إلى الأرض السابعة فوق السماء السادسة، والسماء السابعة فوقها قبة، وعرش الرحمن فوق السماء السابعة، وهو قوله: (خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن) وصاحب الأمر، وهو النبي (ص) والوصي (1) علي بعده، وهو على وجه الأرض، وإنما يتنزل الأمر إليه من فوق من بين السماوات والأرضين. قلت: فما تحتنا إلا أرض واحدة. قال: وما تحتنا إلا أرض واحدة، وإن الست لفوقنا.
(إنكم لفي قول مختلف) هذا جواب القسم أي: إنكم يا أهل مكة في قول مختلف في قول محمد (ص)، فبعضكم يقول شاعر، وبعضكم يقول مجنون، وفي القرآن يقولون إنه سحر وكهانة ورجز، وما سطره الأولون. وقيل: معناه منكم مكذب بمحمد (ص)، ومنكم مصدق به، ومنكم شاك فيه. وفائدته أن دليل الحق ظاهر فاطلبوا الحق بدليله، وإلا هلكتم. (يؤفك عنه من أنك) أي يصرف عن الإيمان به من صرف عن الخير أي المصروف عن الخيرات كلها من صرف عن هذا الدين.
وقيل: معناه يؤفك عن الحق والصواب من أفك، فدل ذلك القول المختلف على ذكر الحق، فجازت الكناية عنه. وقيل: معناه يصرف عن هذا القول أي: بسببه ومن أجله، عن الإيمان، من صرف. فالهاء في (عنه) تعود إلى القول المختلف، عن مجاهد. فيكون الصارف لهم أنفسهم، كما يقال: فلان معجب بنفسه، وأعجب بنفسه، وكما يقال: أين يذهب بك؟ لمن يذهب في شغله. وقيل: إن الصارف لهم رؤساء البدع، وأئمة الضلال، لأن العامة تبع لهم.
(قتل الخراصون) أي لعن الكذابون، يعني: الذين يكذبون على الله وعلى رسوله. وقيل: معناه لعن المرتابون، عن ابن عباس. قال ابن الأنباري: وإنما كان القتل بمعنى اللعنة هنا، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك. ثم وصف