ثم أمر سبحانه بقتال الكفار فقال: (فإذا لقيتم) معاشر المؤمنين. (الذين كفروا) يعني أهل دار الحرب (فضرب الرقاب) أي فاضربوا رقابهم والمعنى:
اقتلوهم، لأن أكثر مواضع القتل ضرب العنق، وإن كان يجوز الضرب في سائر المواضع، فإن الغرض قتلهم. (حتى إذا أثخنتموهم) أي أثقلتموهم بالجراح، وظفرتم بهم. وقيل: حتى إذا بالغتم في قتلهم، وأكثرتم القتل حتى ضعفوا (فشدوا الوثاق) أي أحكموا وثاقهم في الأسر. أمر سبحانه بقتلهم، والإثخان فيهم، ليذلوا. فإذا ذلوا بالقتل أسروا، فالأسر يكون بعد المبالغة في القتل، كما قال سبحانه. (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض).
(فإما منا بعد وإما فداء) أي فإما أن تمنوا عليهم منا بعد أن تأسروهم فتطلقوهم بغير عوض، وإما أن تفدوهم فداء. واختلف في ذلك فقيل: كان الأسر محرما بآية الأنفال، ثم أبيح بهذه الآية، لأن هذه السورة نزلت بعدها. فإذا أسروا فالإمام مخير بين المن والفداء بأسارى المسلمين، وبالمال، وبين القتل والاستعباد، وهو قول الشافعي، وأبي يوسف، ومحمد بن إسحاق. وقيل: إن الإمام مخير بين المن، والفداء، والاستعباد، وليس له القتل بعد الأسر، عن الحسن. وكأنه جعل في الآية تقديما وتأخيرا تقديره: فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها. ثم قال: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد، وإما فداء. وقيل: إن حكم الآية منسوخ بقوله: (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، وبقوله (فإما تثقفنهم في الحرب)، عن قتادة والسدي وابن جريج. وقال ابن عباس والضحاك: الفداء منسوخ. وقيل:
إن حكم الآية ثابت غير منسوخ، عن ابن عمر والحسن وعطاء قالوا: لأن النبي (ص) من على أبي غرة، وقتل عقبة بن أبي معيط، وفادى أسارى بدر.
والمروي عن أئمة الهدى، صلوات الرحمن عليهم: أن الأسارى ضربان: ضرب يؤخذون قبل انقضاء القتال والحرب قائمة، فهؤلاء يكون الإمام مخيرا بين أن يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويتركهم حتى ينزفوا، ولا يجوز المن ولا الفداء. والضرب والاخر: الذين يؤخذون بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وانقضى القتال، فالإمام مخير فيهم بين المن والفداء: إما بالمال، أو بالنفس، وبين الاسترقاق وضرب الرقاب. فإذا أسلموا في الحالين سقط جميع ذلك، وكان حكمهم حكم المسلمين.