المعنى: (الذين كفروا) بتوحيد الله، وعبدوا معه غيره (وصدوا) الناس (عن سبيل الله) أي عن سبيل الإيمان والإسلام باستدعائهم إلى تكذيب النبي (ص) يعني مشركي العرب (أضل أعمالهم) أي أحبط الله أعمالهم التي كان في زعمهم أنها قربة، وأنها تنفعهم كالعتق، والصدقة، وقرى الضيف. والمعنى: أذهبها وأبطلها حتى كأنها لم تكن، إذ لم يروا لها في الآخرة ثوابا. وقيل: نزلت في المطعمين ببدر، وكانوا عشرة أنفس، أطعم كل واحد منهم الجند يوما. (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي صدقوا بتوحيد الله، وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة (وآمنوا بما نزل على محمد) من القرآن والعبادات. خص الإيمان بمحمد (ص) بالذكر مع دخوله في الأول، تشريفا له وتعظيما، ولئلا يقول أهل الكتاب: نحن آمنا بالله، وبأنبيائنا، وكتبنا. (وهو الحق من ربهم) أي وما نزل على محمد (ص) هو الحق من ربهم، لأنه ناسخ للشرائع، والناسخ هو الحق. وقيل: معناه ومحمد الحق من ربهم، دون ما يزعمون من أنه سيخرج في آخر الزمان نبي من العرب، فليس هذا هو، فرد الله ذلك عليهم.
(كفر عنهم سيئاتهم) أي سترها عنهم، بأن غفرها لهم، يعني: غفر سيئاتهم المتقدمة بإيمانهم، وحكم بإسقاط المستحق عليها من العقاب (وأصلح بالهم) أي أصلح حالهم في معاشهم، وأمر دنياهم، عن قتادة. وقيل: أصلح أمر دينهم ودنياهم، بأن نصرهم على أعدائهم في الدنيا، ويدخلهم الجنة في العقبى. ثم بين سبحانه لم فعل ذلك، ولم قسمهم هذين القسمين فقال: (ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم) أي ذلك الإضلال والإصلاح باتباع الكافرين الشرك، وعبادة الشيطان، واتباع المؤمنين التوحيد والقرآن، وما أمر الله سبحانه باتباعه. (كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) أي كالبيان الذي ذكرنا، يبين الله سبحانه للناس أمثال حسنات المؤمنين، وسيئات الكافرين. فإن معنى قول القائل: ضربت لك مثلا: بينت لك ضربا من الأمثال، عن الزجاج. وقيل: أراد به المثل المقرون به، فجعل الكافر في اتباعه الباطل، كمن دعاه الباطل إلى نفسه، فأجابه، والمؤمن كمن دعاه الحق إلى نفسه، فأجابه. وقيل: معناه كما بينت عاقبة الكافر والمؤمن، وجزاء كل واحد منهما، أضرب للناس أمثالا يستدلون بها، فيزيدهم علما ووعظا. وأضاف المثل إليهم، لأنه مجعول لهم.