دينه، وتبعهما. وقد كانت أمه صبرت ثلاثة أيام، ثم أكلت وشربت.
فلما خرجوا من المدينة، أخذاه وأوثقاه كثافا، وجلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى برئ من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم جزعا من الضرب. وقال ما لا ينبغي. فنزلت الآية، وكان الحرث أشدهما عليه، فحلف عياش لئن قدر عليه خارجا من الحرم، ليضربن عنقه. فلما رجعوا إلى مكة، مكثوا حينا، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون إلى المدينة، وهاجر عياش، وحسن إسلامه، وأسلم الحرث بن هشام، وهاجر إلى المدينة، وبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الاسلام، ولم يحضر عياش. فلقيه عياش يوما بظهر قبا. ولم يشعر بإسلامه فضرب عنقه، فقيل له: إن الرجل قد أسلم، فاسترجع عياش وبكى. ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فنزل: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا) الآية. وقيل: نزلت الآية في ناس من المنافقين، يقولون. آمنا، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك، عن الضحاك. وقيل: نزلت في قوم ردهم المشركون إلى مكة، عن قتادة.
المعنى: لما رغب سبحانه في تحقيق الرجاء والخوف بفعل الطاعة، عقبه بالترغيب في المجاهدة، فقال: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) أي: ومن جاهد الشيطان بدفع وسوسته وإغوائه، وجاهد أعداء الدين لإحيائه، وجاهد نفسه التي هي أعدى أعدائه، فإنما يجاهد لنفسه، لأن ثواب ذلك عائد عليه، وواصل إليه، دون الله تعالى. (إن الله لغني عن العالمين) غير محتاج إلى طاعتهم، فلا يأمرهم ولا ينهاهم لمنفعة ترجع إليه، بل لمنفعتهم. (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم) التي اقترفوها قبل ذلك أي: لنطلبنها حتى تصير كأنهم لم يعملوها.
(ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) أي: يجزيهم بأحسن أعمالهم، وهو ما أمروا به من العبادات والطاعات، والمعنى: لنكفرن سيئاتهم السابقة منهم في حال الكفر، ولنجزينهم بحسناتهم التي عملوها في الاسلام.
ولما أمر سبحانه بمجاهدة الكفار ومباينتهم، بين حال الوالدين في ذلك فقال:
(ووصينا الانسان بوالديه) أي: أمرناه أن يفعل بوالديه (حسنا) وألزمناه ذلك. ثم خاطب سبحانه كل واحد من الناس فقال: (وإن جاهداك) أي: وإن جاهدك أبواك أيها الانسان، وألزماك واستفرغا مجهودهما في دعائك. (لتشرك بي) في العبادة (ما ليس لك به علم) أي: وليس لأحد به علم (فلا تطعهما) في ذلك. فأمر سبحانه