فعلت ذلك ابتغاء الخير. (لولا أن تصيبهم مصيبة) لولا هذه، هي التي معناها امتناع الشئ لوجود غيره. و (أن تصيبهم): مبتدأ. وجواب (لولا) محذوف وتقديره: لم يحتج إلى إرسال الرسل. و (لولا) الثانية في قوله (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا): هي التي معناها التخصيص بمعنى هلا. (بغير هدى): الجار والمجرور في موضع نصب على الحال.
المعنى: ثم ذكر سبحانه من أخبار موسى عليه السلام ما فيه دلالة على معجزة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ولقد آتينا موسى الكتاب) يعني التوراة (من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) أي: الجموع التي كانت قبله من الكفار، مثل قوم نوح وعاد وثمود. ويجوز أن يريد بالقرون قوم فرعون، لأنه سبحانه أعطاه التوراة بعد إهلاكهم بمدة (بصائر للناس) أي: حججا وبراهين للناس، وعبرا يبصرون بها أمر دينهم، وأدلة يستدلون بها في أحكام شريعتهم. (وهدى) أي: دلالة لمن اتبعه يهتدي بها (ورحمة) لمن آمن به (لعلهم يتذكرون) أي: يتعظون ويعتبرون.
وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما أهلك الله قوما، ولا قرنا، ولا أمة، ولا أهل قرية، بعذاب من السماء، منذ أنزل التوراة على وجه الأرض، غير أهل القرية التي مسخوا قردة. ألم تر أن الله تعالى قال: (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) " الآية. (وما كنت بجانب الغربي) أي: وما كنت يا محمد حاضرا، بجانب الجبل الغربي أي: في الجانب الغربي من الجبل، الذي كلم الله فيه موسى، عن قتادة والسدي. وقيل:
بجانب الوادي الغربي، عن ابن عباس والكلبي.
(إذ قضينا إلى موسى الأمر) أي: عهدنا إليه، وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه. وقيل: معناه أخبرناه بأمرنا ونهينا. وقيل: أراد كلامه معه في وصف نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ونبوته. (وما كنت من الشاهدين) أي: الحاضرين لذلك الأمر، وبذلك المكان، فتخبر قومك عن مشاهدة وعيان. ولكنا أخبرناك به، ليكون معجزة لك.
(ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر) أي: خلقنا قرنا بعد قرن، فطال عهدهم بالمهلكين قبلهم، وفترة النبوة، فحملهم ذلك على الاغترار، وأنكروا بعثة الله رسله، لجهلهم بأمر الرسل، فأرسلناك للناس رسولا، وجعلناك رحمة للناس، كما جعلنا موسى رحمة. لا يتم الكلام إلا بهذا التقدير. وقيل: إن المعنى: خلقنا خلقا