ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد، لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عقاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه.
وأما قولك يا عبد الله: " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة فإنها ذات حجارة وصخور وجبال، تكسح أرضها وتحفرها، وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون " فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله تعالى.
يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا، كنت من أجل هذا نبيا؟ (1) أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين؟ أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها (2)؟ قال: بلى.
قال: وهل لك في هذا نظراء؟ قال: بلى. أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء؟ قال: لا.
قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته، فما هو إلا كقولك: لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس.
واما قولك يا عبد الله: " أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيرا " أوليس لأصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها، وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا؟
أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال: لا.
قال: فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء، لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه، بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه، لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا.