لا يبعثان رسولا إلا كثير المال، عظيم الحال، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده " فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك، ولا باقتراحك، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد وهو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم، ويدعوهم إلى ربهم، ويكد نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ؟ أو ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجرى الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون؟
يا عبد الله وإنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته، وأنه هو الناصر لرسوله، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته (1)، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا وأسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، و (2) يستولي عليها المؤمنون من دونكم، ودون من يوافقكم على دينكم.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأما قولك لي: " ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا " فالملك لا تشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء، لا عيان منه، ولو شاهدتموه - بأن يزاد في قوى أبصاركم - لقلتم: ليس هذا ملكا، بل هذا بشر، لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقاله، وتعرفوا به خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق؟
بل إنما بعث الله بشرا، وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله تعالى بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه