فلما كان عند المساء عرضت عليه اجرة واحدة، فامتنع، وقال: إنما عملت عمل رجلين فأنا أبتغي اجرة رجلين.
فقلت له: إنما اشترطت (1) عمل رجل، والثاني فأنت به متطوع لا اجرة لك.
فذهب وسخط (2) ذلك، وتركه علي، فاشتريت بتلك الأجرة حنطة، فبذرتها، فزكت ونمت، ثم أعدت ما ارتفع في الأرض فعظم زكاؤها ونماؤها، ثم أعدت بعد ما ارتفع - من الثاني - في الأرض، فعظم النماء والزكاء، ثم ما زلت هكذا حتى [إني] عقدت به الضياع والقصور والقرى والدور والمنازل والمساكن، وقطعان (3) الإبل والبقر والغنم وصوار (4) العير والدواب، والأثاث والأمتعة، والعبيد والإماء، والفرش والآلات والنعم الجليلة، والدراهم والدنانير الكثيرة.
فلما كان بعد سنين مر بي ذلك الأجير، وقد ساءت حاله وتضعضعت، واستولى عليه الفقر، وضعف بصره، فقال لي:
يا عبد الله أما تعرفني؟ أنا أجيرك الذي سخطت اجرة واحدة ذلك اليوم، وتركتها لغنائي عنها، وأنا اليوم فقير [وقد صرت كما ترى] وقد رضيت بها، فأعطنيها.
فقلت له: دونك هذه الضياع والقرى والقصور والدور والمنازل والمساكن وقطعان الإبل والبقر والغنم وصوار العير والدواب، والأثاث والأمتعة، والعبيد والإماء والفرش والآلات والنعم الجليلة، والدراهم والدنانير الكثيرة، فتناولها إليك أجمع مباركا، فهي لك.
فبكى وقال لي: يا عبد الله سوفت حقي ما سوفت، ثم أنت الآن تهزأ بي!؟ فقلت:
" ما أهزأ بك، وما أنا إلا جاد مجد، هذه كلها نتائج اجرتك تلك، تولدت عنها