أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط، لأنه العالم بما كان وبما يكون وبما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص.
ولا يريد به أيضا: فهي كالحجارة أو أشد أي وأشد قسوة، لان هذا تكذيب الأول بالثاني، لأنه قال: (فهي كالحجارة) في الشدة لا أشد منها ولا ألين، فإذا قال بعد ذلك: (أو أشد) فقد رجع عن قوله الأول: أنها ليست بأشد، وهذا مثل أن يقول:
لا يجئ من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير.
فأبهم عز وجل في الأول حيث قال: (أو أشد).
وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله: (أو أشد قسوة) ولكن بقوله تعالى: (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) أي فهي في القساوة بحيث لا يجئ منها الخير [يا يهود] وفي الحجارة ما يتفجر منه الأنهار فيجئ بالخير والغياث لبني آدم.
(وإن منها) من الحجارة (لما يشقق فيخرج منه الماء) وهو ما يقطر منه الماء فهو خير منها دون الأنهار التي يتفجر من بعضها، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ولا يشقق فيخرج [منها] قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيرا.
ثم قال الله تعالى: (وإن منها) يعني من الحجارة (لما يهبط من خشية الله) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسامي أوليائه: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم صلى الله عليهم، وليس في قلوبكم شئ من هذه الخيرات.
(وما الله بغافل عما تعملون) بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم وليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، ويؤلم عقابكم.
وهذا الذي [قد] وصف الله تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء:
﴿أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نفيرا﴾ (1).