الأذكار النووية - يحيى بن شرف النووي - الصفحة ٢٧٢
مذهبنا. ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال. أحدها هذا، واختاره ابن العربي! والثاني: يحمد في نفسه، والثالث قاله سحنون: لا يحمد جهرا ولا في نفسه.
فصل: السنة إذا جاءه العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفض صوته.
785 - روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فمه، وخفض أو غض بها صوته - شك الراوي أي اللفظين قال - قال الترمذي: حديث صحيح.
786 - وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس " (1).
787 - وروينا فيه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" التثاؤب الرفيع والعطسة الشديدة من الشيطان ".
فصل: إذا تكرر العطاس من إنسان متتابعا، فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات.
788 - روينا في " صحيح مسلم " وسنن أبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس عنده رجل، فقال له: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل مزكوم " هذا لفظ رواية مسلم. وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا: قال سلمة: " عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله، ثم عطس الثانية أو الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحمك الله، هذا رجل مزكوم " قال الترمذي: حديث حسن صحيح (2).

(1) وإسناده ضعيف، ولكراهة رفع الصوت بالتثاؤب شواهد بالمعني.
(2) قال الحافظ في " الفتح ": الذي مسبة - يعني النووي - إلى أبي داود والترمذي من إعادة قوله صلى الله عليه وسلم للعاطس:
" يرحمك الله "، ليس في شئ من نسخها كما سأبينه، فقد أخرجه أيضا أبو عوانة وأبو نعيم في " مستخرجيهما "، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن السني وأبو نعيم أيضا في " عمل اليوم والليلة " وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في " الشعب " كلهم نم رواية عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه، وهو الوجه الذي أخرجه منه مسلم، وألفاظهم متقاربة، وليس عند أحد منهم إعادة " رحمك الله " في الحديث، وكذلك ما نسبة إلى أبي داود والترمذي أن عندهما " ثم عطس الثانية أو الثالثة " فيه نظر، فإن لفظ أبي داود " أن رجلا عطس " والباقي مثل سياق مسلم سواء، إلا لم يقل:
" أخرى " ولفظ الترمذي مثل ما ذكره النووي إلى قوله: " ثم عطس " فإنه ذكره بعده مثل أبي داود سواء، وهذه رواية ابن المبارك عنده، وأخرجه من رواية يحيى القطان، فأحال به على رواية ابن المبارك، فقال نحوه، إلا أنه قال له في الثانية: أنت مزكوم، وفي رواية شعبة: قال يحيى القطان: وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي: قال له في الثالثة: أنت مزكوم، وهؤلاء الأربعة رووه عن عكرمة بن عمار، وأكثر الروايات المذكورة ليس فيها تعرض للثالثة، ورجح النووي رواية من قال: في الثالثة، على رواية من قال: في ثانية. قال الحافظ: " وقد وجدت الحديث من رواية يحيى القطان يوافق ما ذكره النووي، وهو ما أخرجه قاسم بن أصبغ في " مصنفه " وابن عبد البر من طريقه قال: حدثنا محمد بن عبد السلام، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى القطان، حدثنا عكرمة... فذكره بلفظ: " عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته، ثم عطس فشمته، ثم عطس فقال له في الثالثة: أنت مزكوم " هكذا رأيته فيه: ثم عطس فشمته، وقد أخرجه الإمام أحمد عن يحيى القطان، ولفظه: " ثم عطس الثانية والثالثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل مزكوم "، قال الحافظ: وهذا اختلاف شديد في لفظ هذا الحديث: لكن الأكثر على ترك ذلك التشميت بعد الأولى. وأخرجه ابن ماجة من طريق وكيع عن عكرمة بلفظ آخر. قال: يشمت العاطس ثلاثا، فما زاد فهو مزكوم، وجعل الحديث كله من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاد تكرير التشميت، وهو رواية شاذة لمحافظة جميع أصحاب عكرمة بن عمار في سياقة، ولعل ذلك عن عكرمة المذكور لما حدث به وكيعا، فإن في حفظه مقالا، فإن كانت محفوظة، فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة - يعني الحديث الذي بعد حديث عبيد بن رقاعة - ويستفاد منه مشروعية تشميت العاطس عليه، ما لم يزد على ثلاث إذا حمد، سواء تتابع عطاسه أم لا، فلو تتابع ولم يحمد لغلبة العطاس عليه، ثم كرر الحمد بعدد العطاس، فهل يشمت بعد الحمد؟ فيه نظر، وظاهر الخبر: نعم.
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست