ولا شديد اللين، فإن اشتد يبسه لينه بالماء. أما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ فيه وجهان. أصحهما: لا يحرم، وسبقت المسألة أول الكتاب، وفي هذا الفصل بقايا تقدم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أول الكتاب.
[فصل]: ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع، والتدبر، والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم الآية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة. وصعق جماعة منهم، ومات جماعات منهم.
ويستحب البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين (1) وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) [الإسراء: 109] وقد ذكرت آثارا كثيرة وردت في ذلك في " التبيان في آداب حملة القرآن ".
قال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف، والمواهب واللطائف، إبراهيم الخواص رضي الله عنه: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
[فصل]: قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه (2)، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا، فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف.
[فصل]: جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك،