لغلبة القلوب وتزيينه القبيح وتقبيحه الحسن وإليه أشار الإمام مالك رضي الله عنه فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام قيل إن معناه أن صاحبه يكسب به من الإثم ما يكسبه الساحر بعلمه. وقيل أورده مورد المدح أي أنه تمال به القلوب ويرضى به الساخط ويذل به الصعب، ويشهد له أن من الشعر لحكمة، وهذا لا ريب فيه أنه مدح، وكذلك مصراعه الذي بإزائه، وقال بعضهم في الامتلاء من الشعر أي الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول غير مرضي، فإن شطر البيت من ذلك يكون كفرا فإذا حمل على الامتلاء منه فقد رخص في القليل منه، وهذا ليس بشئ والمختار ما تقدم انتهى كلام المنذري.
قال الميداني: إن من البيان لسحرا قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان فقال عمرو: مطاع في أذنيه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره، فقال الزبرقان: يا رسول الله إنه ليعلم مني أكثر من هذا ولكنه حسدني، فقال عمرو أما والله إنه لزمر المروة ضيق العطن أحمق الوالد لئيم الخال، والله يا رسول الله ما كذبت في الأولى ولقد صدقت في الأخرى ولكني رجل رضيت فقلت أحسن ما علمت، وسخطت فقلت أقبح ما وجدت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا، يعني أن بعض البيان يعمل عمل السحر، ومعنى السحر إظهار الباطل في صورة الحق.
والبيان اجتماع الفصاحة والبلاغة وذكاء القلب مع اللسن وإنما شبه بالسحر لحدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له يضرب في استحسان المنطق وإيراد الحجة البالغة انتهى كلامه.
وقال الإمام أبو هلال العسكري: أما النبي صلى الله عليه وسلم فذم البيان أم مدحه، فقال بعض ذمه لأن السحر تمويه فقال: إن من البيان ما يموه الباطل حتى يتشبه بالحق، وقال بعض بل مدحه لأن البيان من الفهم والذكاء قال أبو هلال: الصحيح أنه مدحه، وتسميته إياه سحرا إنما هو على جهة التعجب منه لما ذم عمرو الزبرقان ومدحه في حالة واحدة وصدق في مدحه وذمه فيما ذكر عجب النبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السحر، فسماه سحرا من هذا الوجه انتهى مختصرا.
قال النووي: أن يكون الشعر غالبا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية فهو مذموم، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية وهو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا انتهى ملخصا. وقال أبو عبيد البكري الأندلسي في شرح كتاب الأمثال للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلام: الناس يتلقون هذا