فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة، والامتناع من تصرفاتهم بسببها (فلا يصدهم) أي لا يمنعهم التطير من مقاصدهم لأن لا يضرهم ولا ينفهم ما يتوهمونه. وقال الطيبي: أي لا يمنعهم عما يتوجهون من المقاصد أو من سواء السبيل ما يجدون في صدورهم من الوهم، فالنهي وارد على ما يتوهمونه ظاهرا وهم منهيون في الحقيقة عن مزاولة ما يوقعهم من الوهم في الصدر (ومنا رجال يخطون) الخط عند العرب فيما فسره ابن الأعرابي، قال يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام فيأمره أن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول: ابني عيان أسرعا البيان ثم يأمر من يمحو منها اثنين اثنين حتى ينظر آخر ما يبقى من تلك الخطوط. فإن كان الباقي زوجا فهو دليل الفلاح والظفر، وإن بقي فردا فهو دليل الخيبة واليأس، وقد طول الكلام في لسان العرب.
(قال كان نبي من الأنبياء يخط) أي فيعرف بالفراسة بتوسط تلك الخطوط قيل هو إدريس أو دانيال عليهما الصلاة والسلام كذا في المرقاة (فمن وافق) ضمير الفاعل راجع إلى من أي فمن وافق فيما يخط (خطه) بالنصب على الأصح ونقل السيد جمال الدين عن البيضاوي أن المشهور خطه بالنصب فيكون الفاعل مضمرا. وروي مرفوعا فيكون المفعول محذوفا انتهى.
أي من وافق خطه خطه أي خط ذلك النبي (فذاك) أي فذاك مصيب أو يصيب، أو يعرف الحال بالفراسة كذلك النبي وهو التعليق بالمحال. قاله في المرقاة. قال النووي: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها. وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن وافق خطه فذاك ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا. فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه. وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها.
وقال الخطاب: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط، إذا كان علما لنبوة ذلك النبي، وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك. قال القاضي عياض: المختار أن معناه من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله. قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن. انتهى.
(قبل أحد والجوانية) بفتح الجيم وتشديد الواو وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة