شئ من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباهما مما ورد به الشرع. وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالما عامدا. قال الشافعية إن قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته وإن قال يرحمه الله أو اللهم ارحمه أو رحم الله فلانا لم تبطل صلاته لأنه ليس بخطاب. وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرا هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك وغيره. عن ابن عمر والنخعي وأحمد رضي الله عنهم أنه يجهر به والأول أظهر لأنه ذكر والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثني من القراءة في بعضها ونحوها انتهى (إنا قوم حديث عهد) أي جديدة (بجاهلية) متعلق بعهد. وما قبل ورود الشرع يسمى جاهلية لكثرة جهالتهم (ومنا رجال يأتون الكهان) بضم الكاف جمع كاهن وهو من يدعي معرفة الضمائر. قال الطيبي: الفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل والعراف يتعاطى معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما.
انتهى (فلا تأتهم) قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام بإجماع المسلمين.
(ومنا رجال يتطيرون) في النهاية: الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن هي التشاؤم بالشيء وهي مصدر تطير طيرة كما تقول تخير خيرة ولم يجئ من المصادر غيرهما. وأصل التطير التفاؤل بالطير واستعمل لكل ما يتفاءل به ويتشاءم، وقد كانوا في الجاهلية يتطيرون بالصيد كالطير والظبي فيتيمنون بالسوانح ويتشاءمون بالبوارح، والبوارح على ما في القاموس من الصيد ما مر من ميامنك إلى مياسرك، والسوانح ضدها، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ويمنع عن السير إلى مطالبهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهاهم عنه (ذاك) أي التطير (شئ يجدونه في صدورهم) يعني هذا وهم ينشأ من نفوسهم ليس له تأثير في اجتلاب نفع أو ضر وإنما هو شئ يسوله الشيطان ويزينه حتى يعملوا بقضيته ليجرهم بذلك إلى اعتقاد مؤثر غير الله تعالى وهو لا يحل باتفاق العلماء. وقال النووي: قال العلماء معناه أن الطيرة شئ تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف،