على أنه كان أختار ترك الاخذ وإنما اشترط لجابر ركوب جمل نفسه فليس فيه حجة لمن أجاز الشرط في البيع ولا يخفى ما في هذا التأويل من التكلف وقال الإسماعيلي قوله ولك ظهره وعد قام مقام الشرط لان وعده لأخلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط ولا يلزم أن يجوز ذلك في حق غيره وحاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقا أو لاحقا فتبرع بمنفعته أولا كما تبرع برقبته أخرا ووقع في كلام القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية أن في بعض طرق هذا الخبر فلما نقدني الثمن شرطت حملاني إلى المدينة واستدل بها على أن الشرط تأخر عن العقد لكن لم أقف على الرواية المذكورة وأن ثبتت فيتعين تأويلها على أن معنى نقدني الثمن أي قرره لي واتفقنا على تعيينه لان الروايات الصحيحة صريحة في أن قبضه الثمن إنما كان بالمدينة وكذلك يتعين تأويل رواية الطحاوي أتبيعني جملك هذا إذا قدمنا المدينة بدينار الحديث فالمعنى أتبيعني بدينار أوفيكه إذا قدمنا المدينة وقال المهلب ينبغي تأويل ما وقع في بعض الروايات من ذكر الشرط على أنه شرط تفضل لا شرط في أصل البيع ليوافق رواية من روى أفقرناك ظهره وأعرتك ظهره وغير ذلك مما تقدم قال ويؤيده أن القصة جرت كلها على وجه التفضل والرفق بجابر ويؤيده أيضا قول جابر هو لك قال لا بل بعنيه فلم يقبل منه إلا بثمن رفقا به وسبق الإسماعيلي إلى نحو ذلك وزعم أن النكتة في ذكر البيع أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبر جابرا على وجه لا يحصل لغيره طمع في مثله فبايعه في جمله على اسم البيع ليتوفر عليه بره ويبقى البعير قائما على ملكه فيكون ذلك أهنأ لمعروفه قال وعلى هذا المعنى أمره بلالا أن يزيده على الثمن زيادة مبهمة في الظاهر فإنه قصد بذلك زيادة الاحسان إليه من غير أن يحصل لغيره تأميل في نظير ذلك وتعقب بأنه لو كان المعنى ما ذكر لكان الحال باقيا في التأميل المذكور عند رده عليه البعير المذكور والثمن معا وأجيب بأن حالة السفر غالبا تقتضي قلة الشئ بخلاف حالة الحضر فلا مبالاة عند التوسعة من طمع الآمل وأقوى هذه الوجوه في نظري ما تقدم نقله عن الإسماعيلي من أنه وعد حل محل الشرط وأبدى السهيلي في قصة جابر مناسبة لطيفة غير ما ذكره الإسماعيلي ملخصها أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبر جابرا بعد قتل أبيه بأحد أن الله أحياه وقال ما تشتهي فأزيدك أكد صلى الله عليه وسلم الخبر بما يشتهيه فاشترى منه الجمل وهو مطيته بثمن معلوم ثم وفر عليه الجمل والثمن وزاده على الثمن كما اشترى الله من المؤمنين أنفسهم بثمن هو الجنة ثم رد عليهم أنفسهم وزادهم كما قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسني وزيادة (قوله وقال عبيد الله) أي ابن عمر العمري (وابن إسحق عن وهب) أي ابن كيسان (عن جابر) أي في هذا الحديث (اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بأوقية) وطريق بن (إسحق وصلها أحمد وأبو يعلى والبزار مطولة وفيها قال قد أخذته بدرهم قلت إذا تغبنني يا رسول الله قال فبدرهمين قلت لا فلم يزل يرفع لي حتى بلغ أوقية الحديث ورواية عبيد الله وصلها المؤلف في البيوع ولفظه قال أتبيع جملك قلت نعم فاشتراه مني بأوقية (قوله وتابعه زيد بن أسلم عن جابر) أي في ذكر الأوقية وقد تقدم أنه موصول عند البيهقي (قوله وقال بن جريج عن عطاء وغيره عن جابر أخذته بأربعة دنانير) تقدم أنه موصول عند المصنف في الوكالة وقوله هذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة هو من كلام المصنف قصد به الجمع بين الروايتين وهو كما قال بناء على أن
(٢٣٤)