ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري 1. ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة... 2 إلى آخر شكوى الامام في هذه الخطبة التي يصرح فيها انه لم ينجح في ارجاع الأمة الاسلامية إلى سنة نبيها وتجرع في سبيل ذلك الغصص حتى تمنى الموت وقال:
ما يحبس أشقاكم ان يجئ فيقتلني اللهم إني قد سئمتهم وسئموني فأرحهم مني، وأرحني منهم 3.
وقال: متى يبعث أشقاها.
قال ذلك، لان رسول الله كان قد قال له: يا علي " أتدري من أشقى الأولين والآخرين " قال قلت: الله ورسوله اعلم قال: " من يخضب هذه من هذه - يعني لحيته من هامته " 4.
ولما أراح ابن ملجم الامام عليا وتغلب على الحكم معاوية أعاد إلى الأمة جميع سنن الخلفاء التي ناهضها الإمام علي وأضاف إلى ذلك اعادته الأعراف القبلية الجاهلية وزاد في الطين بلة بما فعل من وضعه جماعة من الصحابة والتابعين ليرووا عن رسول الله (ص) أحاديث في تأييد سياسته كما أشرنا إليه في ما سبق وكان يحدوه إلى ذلك بالإضافة إلى ما كان يروم من تثبيت الحكم في عقبه عداؤه لبني هاشم كما يتضح ذلك مما رواه الزبير بن بكار في " الموفقيات "، عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال:
دخلت مع أبي علي معاوية، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتما فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت: مالي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئت من أكفر الناس وأخبثهم. قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: انك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه؟ فقال: هيهات هيهات!