" 3 " الاجتهاد في القرن الثاني فما بعد واستنباط الاحكام من عمل الصحابة الاجتهاد: حقيقته، تطوره، أدلة صحة العمل به حقيقة الاجتهاد - كما أشرنا إليه في ما سبق - هي العمل بالرأي، ومنشؤه عمل الصحابة والخلفاء بآرائهم واقتداء أتباعهم بهم في ذلك وفي ما يلي بيانه:
قال الدواليبي 1: كانت ترد على الصحابة أقضية لا يرون فيها نصا من كتاب أو سنة، وإذ ذاك كانوا يلجؤون إلى الاجتهاد، وكانوا يعبرون عنه بالرأي أيضا، كما كان يفعل أبو بكر (رض)... وكذلك كان عمر يفعل...
ثم استشهد بما روي أن عمر كتب به إلى شريح والى أبي موسى، وقال: ولم يكن الصحابة في اجتهادهم يعتمدون على قواعد مقررة، أو موازين معروفة، وإنما كان معتمدهم ما لمسوا من روح التشريع... ثم قال:
وهذا المعرفة لم تتوفر لمن جاء بعدهم بنفس السهولة... ولذلك لم يلبث الاجتهاد بعدهم ان تطور تطورا محسوسا... ومتأثرا إلى حد كبير بمحيط المجتهد، وكان ذلك مدعاة إلى اشتداد النزاع العلمي في مادة الاحكام كلما اشتد البعد بين المجتهدين وبين عصر التنزيل، وهذا ما حمل رجال الاجتهاد على وضع قواعدهم في الاجتهاد، وسموه بعلم أصول الفقه، وأصبح الاجتهاد في دوره الثاني هذا متميزا عن دوره الأول بما وضع له من قواعد وقوانين جعلت أصوله معلومة بعد إن كان الذوق السليم لأسرار