وأيضا، لو صح لكان لا يخلو من أحد وجهين: اما أن يكون لمعاذ وحده فيلزمهم ان لا يتبعوا رأي أحد الا رأي معاذ، وهم لا يقولون بهذا.
أو يكون لمعاذ وغيره، فإن كان ذلك فكل من اجتهد رأيه فقد فعل ما أمر به، فهم كلهم محقون ليس أحد منهم أولى بالصواب من آخر، فصار الحق على هذا في المتضادات، وهذا خلاف قولهم، وخلاف المعقول، بل هذا المحال الظاهر، وليس لاحد ان ينصر قوله بحجة لان مخالفه أيضا قد اجتهد رأيه، وليس في الحديث الذي احتجوا به أكثر من اجتهاد الرأي ولا مزيد، فلا يجوز لهم ان يزيدوا فيه ترجيحا لم يذكر في الحديث وأيضا فليس أحد أولى من غيره، ومن المحال البين أن يكون ما ظنه الجهال في حديث معاذ لو صح من أن يكون (ع) يبيح لمعاذ ان يحلل برأيه ويحرم برأيه ويوجب الفرائض برأيه ويسقطها برأيه وهذا مالا يظنه مسلم، وليس في الشريعة شئ غير ما ذكرنا البتة 1. انتهى.
وقال ابن حزم عن حديث عمرو بن العاص: واما حديث عمرو بن العاص فأعظم حجة عليهم، لان فيه ان الحاكم المجتهد يخطئ ويصيب، فان ذلك كذلك فحرام الحكم في الدين بالخطأ وما أحل الله تعالى قط امضاء الخطأ فبطل تعلقهم 2.
وقال عن كتاب عمر بعد ايراده بسندين: وهذا لا يصح، لان السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان، وهو كوفي متروك الحديث ساقط بلا خلاف، وأبوه مجهول.
واما السند الثاني: فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهول وهو أيضا منقطع فبطل القول به جملة 3.
مناقشتنا في صحة ما قالوا حول الاجتهاد:
كانت هذه مناقشات ابن حزم، اما مناقشاتنا فإنها تدور حول أمرين:
أولا - حول مدلول الاجتهاد.
وثانيا - حول مفاهيم الأدلة الثلاثة. اما الاجتهاد فقد سبق ايراد دليلنا على أن مدلول الاجتهاد في القرن الأول كان معناه اللغوي هو بذل الجهد في اي أمر