لما لم يكن بيننا وبين عرفة الا خمس أمرنا ان نحل إلى نسائنا فنأتي إلى عرفة تقطر مذاكيرنا، هكذا ردوا عليه القول فغضب فانطلق حتى دخل على عائشة غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله - وفي رواية قالت - ادخله الله النار قال: " مالي لا اغضب وانا آمر أمرا فلا اتبع ".
ثم قام خطيبا فقال " بلغني ان أقواما يقولون كذا وكذا والله لأنا أبر واتقى لله منهم - وفي رواية قال - قد علمتم اني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت " قالوا: يا رسول الله أيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا؟ قال " نعم " فأحلوا ومسوا الطيب ووطئوا النساء وفعلوا ما يفعل الحلال فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج.
هكذا أطاعوا الله ورسوله بكل صعوبة واعتمروا في أشهر الحج عدا أم المؤمنين عائشة التي حرمت منها لأنها حاضت فأمرها النبي ان تحج فلما طهرت وأتمت الحج أمر أخاها عبد الرحمن فاعمرها من التنعيم كي لا ترجع بحج مفرد، وتوفي الرسول واستخلف أبو بكر فأفرد الحج واستخلف عمر فأفرد ورآى بعرفة رجلا مرجلا شعره فاستفهمه فقال قدمت متمتعا وإنما أحرمت اليوم فقال عند ذاك لا تتمتعوا في هذه الأيام فاني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن تحت الأراك ثم راحوا بهن حجاجا.
وقال: افصلوا بين حجكم وعمرتكم اجعلوا الحج في أشهر الحج واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحجكم وعمرتكم. واستشهد على صحة فتواه لما سأله أبو موسى ما هذا الذي أحدثت بشأن النسك وقال: ان نأخذ بكتاب الله فان الله قال " فأتموا الحج والعمرة لله " وان نأخذ بسنة نبينا (ع) فإنه لم يحل حتى نحر الهدي، ذكر عمر في هذه الأحاديث وغيرها ان تمامهما في الفصل بينهما وجعل العمرة في غير أشهر الحج، وقال: ان النبي لم يحل حتى نحر الهدي ولم يجرء أبو موسى ولا غيره أن يقول له:
ان الرسول صرح غير مرة بأنه لم يحل لأنه ساق الهدى ولا يحل حتى ينحر وان التمتع بالعمرة في كتاب الله عدا ما كان من أمر الإمام علي فإنه قال له: " من تمتع فقد اخذ بكتاب الله وسنة نبيه " ولعل عمر اضطر بعد هذا الاعتراض ان يجابههم بالواقع ويقول في خطبته: متعتان كانتا على عهد رسول الله وانا انهى عنهما وأعاقب عليهما...
ويقول: والله اني لانهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد فعلتها مع رسول الله.